حدودنا | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد 


حدودنا | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد
حدودنا | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد



أنت حر في اقتناء أي نوع من السيارات أو وسائل النقل، لكنك مُقيد بالإلتزام بلوائح الطريق وإشارات المرور. 


أنت حر في احتساء فنجانًا من القهوة أو كوبًا من الشاي، لكنك مسؤول عن سلامة وصحة جسدك ومحاسب على إيذاءه وإهلاكه.

لذا هناك قيود على المدخنين وقوانين لمتعاطي المخدرات وعقوبات رادعة تحمي حياة الإنسان على الرغم من أنها "حياته". 


أنت حر في ارتداء ما تشاء من ملابس وأزياء، لكنك مُقيّد بعدم الخروج عن أعراف البلد وثقافة أهله وما يتماشى مع معتقداتك ودينك.

يحضرني في هذا السياق موقف لمدير مدرستي الثانوية، كان يتحدث مع عدد من الطالبات غير المسلمات الذين لا يلتزمون بإرتداء خمار الرأس "الطرحة"، فاختصر عليهم القضية وقال لهم: "الطرحة هنا زي مدرسي وليست تعاليم دين". 


من الضروري أن نفهم أنه لا توجد حرية مطلقة، فجميعنا أحرار مُقيّدون، والعاقل من يُدرك أنه بلا قوانين وحدود وعقوبات تستحيل الحياة إلى غابة، وتشتعل حرب الكُل على الكُل.

لأن البشر بفطرتهم فيهم الخير والشر، فجاءت الشرائع السماوية لتهذيب النفوس وحماية الحقوق وبث السلام والحث على مكارم الأخلاق، فلا حرية دون رقابة، وأعلى مراتب الوعي أن تكون رقيبًا على نفسك تعرف حدودك لا تتجاوز الخطوط الحمراء؛ لأجل نفسك أولًا، ففي الإسلام مثلًا نجد كل نهي أو منع فيه حماية من مفاسد ومهالك وشرور. 


إن طبيعة البشر غض النظر عن الأديان التي ينتمون إليها، يحتاجون لأن يكونوا تحت رقابة أعلى، وسلطة يحتكمون إليها، فالخلافات واردة وطبيعية، لكن لضمان عدم التعدي أو التجاوز لابد من رادع، فالدساتير والقوانين المستمدة من الإسلام أو الموضوعة باجتهاد البشر تحرص على الحفاظ على العلاقات بين أفراد المجتمع وبيان الحقوق والحدود. 


وقد أثبتت تجربة عملية عظيمة تم تطبيقها في أحد المقاهي، أن سلوك الإنسان وتصرفه يختلف بوجود رقيب! حيث تقوم التجربة على قياس مدى التزام الزبائن بدفع ثمن القهوة مع منحهم مساحة من الحرية والثقة، أي تم تركهم لضمائرهم بلا ملاحقة أو محاسبة، فقط تم وضع صورة "عيون" أعلى ماكينة القهوة وبجانبها صندوق مخصص لدفع ثمن القهوة، التجربة كانت عبارة عن اسبوع بوجود الصورة واسبوع من غير صورة العين، فكانت النتيجة مذهلة وصادمة! ففي الأسابيع التي وُضعت فيها الصورة "العين"، كان الدخل أعلى بكثير من تلك الأيام التي تُنزع فيها الصورة، تجربة أجدها بسيطة وعجيبة لكن العِبرة منها عظيمة! هذه فقط "صورة عين" لا رقابة مباشرة ولا حتى كاميرات مراقبة! فقط "صورة"، من التجربة يتبيّن أن الإنسان في أصله ليس مخلوقًا مستقيمًا، وإنما يحمل كثير من صفات الشر والأنانية، لكن احساس أنه منظور ومراقب، يجعله بلا وعي يتصرف بشكل أفضل، وذلك ليس عيبًا، لأن وجودنا في هذه الحياة هو اختبار لقياس صلاحنا وفجورنا، خيرنا وشرنا، وما الذي سيطغى وينتصر، فنُجازى على الخيرِ خيرًا، وعلى غيره ما نستحق.




Share To: