حقيبة الحروف | بقلم الأديب الجزائري عبد العزيز عميمر
![]() |
حقيبة الحروف | بقلم الأديب الجزائري عبد العزيز عميمر |
_يسير في الشوارع،والأزقة الضيّقة،وينادي ليعرّف الناس بحروفه،ينادي ويصف حروفه،بألحانه وشعره،بخياله ومجازه،يستعمل كل الزخرفة اللغويّة،ليقترب الزبائن .
وتُخرِج الحروف رؤوسها من حين لآخر ،لعلّها تبصر زبونا قادما،ومحبّا عاشقا متلهفا،لم يكن ما تمنّاه! عندما سمع الناس صوته أغلقوا النوافذ ،وأوصدوا الأبواب ،لقد صدعهم بصراخه ووصفه لحروفه،رغم ما أضافه من توابل الإعجاب والدهشة والترغيب.
الناس لا تقرأ هذه الأيام وتكره الكتاب،تعتبره وسيلة مانعة وبابا موصدا لجمع الأموال والتلهف على الحياةالكريمة،إنه شؤم عليهم يذكرهم بالفقر،ومدّ اليد ،ومسح الأحذية،وإحياء الحِرف والمهن التي ماتت.
الكتاب بومة وغراب،ربّي يستر،يالطيف، أنا أطالع،أنا أقرأ حتى أتحوّل مثل الأستاذ الذي يشتهي قطعة لحم ولا يصلها، يشمّ رائحتها نعم، هذا إذا واتته الريح وخدمته، ولم يكن مزكوما، ايه العرب لا يطالعون، ويكفي أن اسبانيا وحدها تنشر وتطبع ما ينجزه العالم العربي والإسلامي مجتمعا .
تركنا أطفالنا ولم تقرأ لهم أمهاتهم قصة وهم على الفراش،حتى الأم معذورة،لم تتعلم،أو أخذت بعض الحروف فقط ولم تستطع تكوين جملة لغياب بقية الحروف،لاتمتلك عادة القراءة، ولو كانت قارئه، آه نعم،بارعة في تحضير الكسكس وحضور الأعراس، وغسل الثياب والأواني،هي بارعة وهذه الصفات هي شرط الزواج، للأسف لم نقرأ لها قصة وهي صغيرة،ولم تمسك كتابا به الحروف ولم تفتح عينيها على رسوم وألوان الكتاب، مع أن فطرة حبّ الاطلاع والفضول موجودة عند أطفالنا،لكن منعناها من النمو وأقبرناها،خفنا إذا قرأت المرأة وأحبّت الكتاب ،فتهمل نفسها ولا تتزيّن لزوجها،فرمينا ما يشغلها على الزوج،حتى تستمر الحياة،وينبت البنات والبنين .
استمر ينادي ! وينادي ! وأخيرا قرّر أن ينفّذ فكرة إهداء الكتب بحروفها وجملها وفقراتها، وهكذا يفرغ حقيبته،لا شكّ أنهم يسرعون في خطف الحروف وسيشكّل الأمر طابورا وازدحاما،لاشيئ ! بدون مقابل ولا يأخذونها! غريب! آه ! ويل لأمّة لا تقرأ! ويل لها! ستساق،وتستعبد من قبل حاملي الحرف المعجون والذي أنتج الخبز والحضارة، وما الخبزة إلا نتيجة قراءتهم،فنحن مرهونون لقمحهم.
لقد نام صاحب الحروف على الرصيف لكثرة التّعب والسير،تورّمت قدماه،وغلبه النّعاس فنام ،وجاءه طفلان بلون وصفة الملائكة يطلبان كتبا فطار من الفرحة وعرف أنه كان مخطئا والناس يقرؤون ،فدعاهما لاختيار وحمل ما يشاءان، ورأى بيت الحكمة ،والعصر الذهبي للمأمون، وحارة الورّاقين،والعلماء يكتبون،ويترجمون،والأمر على قدم وساق ،واستفاق،وهو يقول:
عودي يابيت الحكمة! وسمع مواء قطّة قرب رأسه طبعا تبحث على الأكل وليس على الحروف ،فهي مثلهم ، لكنها معذورة، لم تخلق للقراءة
Post A Comment: