بين الرجولة والذكورة | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة 


بين الرجولة والذكورة | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة
بين الرجولة والذكورة | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة


حتي وإن تعطر الرجال بأفخم أنواع العطور فستبقي رائحة الرجولة أفعال واقوال.

يقول أبو العلاء المعرى

مَشَى الطاووسُ يوماً باعْوجاجٍ

فقلدَ شكلَ مَشيتهِ بنوهُ

فقالَ علامَ تختالونَ.. فقالوا

بدأْتَ به ونحنُ مقلِدوهُ


عزيزى الذكر » عفواً «سيدى الرجل»: هل تعلم الفرق بين «الذكورة» و«الرجولة»؟..هل تعلم أن هناك مواقف أثبتت أن من النساء من هن أشد رجولة وثبات من كثير من الذكور؟ الرجل: قد يطلق ويراد به الذكر: وهو ذلك النوع المقابل للأنثى، وعند إطلاق هذا الوصف لا يراد به المدح وإنما يراد به بيان النوع كما قال تعالى: ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ).


وقد تطلق الرجولة ويراد بها وصف زائد يستحق صاحبه المدح وهو ما نريده نحن هنا.. فالرجولة بهذا المفهوم تعني القوة والمروءة والكمال، وكلما كملت صفات المرء استحق هذا الوصف. وقد وصف الله بذلك الوصف أشرف الخلق فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى). فهي صفه لهؤلاء الكبار الكرام الذين تحملوا أعباء الرسالة وقادوا الأمم إلى ربها، وهي صفة أهل الوفاء مع الله الذين باعوا نفوسهم لربهم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ). وصفة أهل المساجد الذين لم تشغلهم العوارض عن الذكر والآخرة (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ). إنهم الأبرار الأطهار (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ


متى تسقط الرجوله عن الرجل بنظرك ؟ إذا سقطت منه الشهامة والمروءة ، وخيانة العهد ونقض الوعد ، سقوطه في المحرمات والشهوات ، أن يكون كاذب ومنافق وأناني ، هروبه من المواقف والشدائد ، أن يكون سيء الأخلاق والطباع ، وأن يتخلى عن الفضائل ويتحلى بالرذائل.


إن ظننت للحظة أن باستطاعتك إثبات رجولتك بالتحدث عن نفسك فأنت حتما مخطئ.. فالرجولة تُشعر وتُلمس وتُرى.. تعيش ملاصقة لصاحبها كظله يراها الجميع إلا هو، تحضر معه إن حضر فتضيف لحضوره هيبة وسحرا، ولا تغيب إن غاب فتُطبع في عقول الناس تماما كما تُطبع ملامح صاحبها.

فالرجل، ولا أقصد الذكر، إذا أحب امرأة سقاها من كأس حنانه. الرجولة كنز فهى تقود إلى النجوم بينما الذكورة تقود إلى الموت. الرجولة هى أن تقاوم هوى نفسك وتحبسها عن الدنيا، فحاكم نفسه اقوى من حاكم مدينة. {والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} والثناء من رسوله كما في الحديث المتفق عليه:" لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ


الرجل المصاب بداء الحب يتحول من صياد إلى طريدة ، يتحول إلى حارس أمين على محبوبته. الرجولة شجاعة، فعش يوماَ واحداَ كالأسد خير من أن تعيش مئة سنة كالنعامة. فالجبناء يهربون من الخطر والخطر يفر من وجه الشجعان. 

ولأن الرجولة والأنوثة بينهما ترابط قوى ، بل هما وجهان لعملة واحدة تجد ان الرجل جذع الشجرة وساقها وأوراقها، أما المرأة فهي ثمارها. وقوة الرجل فى عقله بينما تكمن قوة الانثى فى دموعها، وبالمثل ليس كل إمرأة أنثى. الرجل هو المادة الخام التي تعمل فيها المرأة اللمسات الأخيرة.

الرجولة أسمى ما يمكن أن تبحث عنه المرأة في الرجل، فإن وجدته وجدت الحب الذي لا يذبل، والتواصل الذي لا يُقطع، والثقة التي لا تُخدش، متى وجدته وجدت إشباعا لقلبها وعقلها، وحظيت بمن يصلح لأن يكون رفيقا لدربها في الدنيا والآخرة. متى استشعرت الأنثى حضور الرجولة حولها ميزتها على الفور – دون حاجةٍ منك لاستعراضها –  كما يميّز الوليد رائحة أمه.

الرجولة أهم الصفات الإنسانية لأنها الصفة التي تضمن باقي الصفات. لا تكن جبانا فتموت آلاف المرات، ولكن كن شجاعا فالشجاع لا يذوق الموت إلا مرة واحدة. ولا يمكن أن نتعلم الشجاعة والصبر إذا كان كل شيء في العالم مليئاً بالفرح. الرجولة أن تخلق من اليأس أملاً، لأن اليأس فيه طعم الموت ولأن الشجاعة معنى الحياة. 


الرجولة بين المظهر والمضمون

الرجولة وصف يمس الروح والنفس والخلق أكثر مما يمس البدن والظاهر، فرب إنسان أوتي بسطة في الجسم وصحة في البدن يطيش عقله فيغدو كالهباء، ورب عبد معوق الجسد قعيد البدن وهو مع ذلك يعيش بهمة الرجال. فالرجولة مضمون قبل أن تكون مظهرًا، فابحث عن الجوهر ودع عنك المظهر؛ فإن أكثر الناس تأسرهم المظاهر ويسحرهم بريقها، فمن يُجلّونه ويقدرونه ليس بالضرورة أهلا للإجلال والتوقير، ومن يحتقرونه ويزدرونه قد يكون من أولياء الله وعباده الصالحين، وقد ثبت عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما تقولون في هذا؟) قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: (ما تقولون في هذا؟) قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خير من ملء الأرض مثل هذا)

رواه البخارى.


الرجولة هي الإستعداد لمواجهة المصائب التي لا مهرب منها برباطة جأش. ابتعدي عن رجل لا يملك شجاعة الإعتذار.. حتى لا تفقدي يوماً احترام نفسك.. وأنت تغفرين له إهانات وأخطاء في حقك، لا يرى لزوم الإعتذار عنها، سيزداد تكراراً لها.. واحتقارا لك. 

ورغم اتفاق جميع الخلق على مكانة الرجولة إلا أن المسافة بين واقع الناس وبين الرجولة ليست مسافة قريبة. وفي عصر الحضارة والمدنية المعاصرة، عصر غزو الفضاء وحرب النجوم، عصر التقنية والاتصال، ارتقى الناس في عالم المادة، لكنهم انحطوا في عالم الأخلاق والقيم، صعدوا إلى الفضاء وأقدامهم في الوحل والحضيض، تطلعوا إلى الإنجاز المادي وهممهم حول شهواتهم وأهوائهم (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا).

وورث المسلمون من هؤلاء العفن والفساد، ورثوا منهم مساويء الأخلاق، وساروا وراءهم في لهاث وسعار، وصرنا بحاجة إلى تذكير الرجال بسمات الرجولة، وأن نطالب الشباب أن يكونوا رجالا لا صغارا ولا مجرد ذكور فكم بين وصف الذكورة والرجولة من فوارق.

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا


وكم من مفاهيم خاطئة فكثيرون هؤلاء الذين يلجؤون إلى أساليب ترقع لهم هذا النقص فى سمة الرجولة وتسد لهم هذا الخلل، ومن هذه الأساليب:

١- محاولات إثبات الذات: التي غالبا ما يلجأ إليها الشباب المراهق، فيصر على رأيه ويتمسك به بشدة حتى تغدو مخالفة الآخرين .


٢- القسوة على الأهل: اعتقادا أن الرفق ليس من صفات الرجولة وأن الرجل ينبغي أن يكون صليب العود شديدًا لا يراجع في قول ولا يناقش في قرار، فتجد قسوة الزوج على زوجته والوالد على أولاده والرجل على كل من حوله.. مع أن أكمل الناس رجولة كان أحلم الناس وأرفق الناس بالناس مع هيبة وجلال لم يبلغه غيره صلى الله عليه وسلم.


ويعتقد البعض أن بعض التصرفات تدل على الرجولة فيعتنقوها ويتوارثوها: فليس من الرجولة ظاهرة التدخين لدى الناشئة والصغار، أو مشي بعض الشباب مع الفتيات أو معاكستهن ومغازلتهن، أو التغيب عن البيوت لأوقات طويلة، أو إظهار القوة والرجولة من خلال المشاجرات والعراك مع الآخرين .. غير أن كل هذه التصرفات لا تدل في واقع الأمر على اتصاف صاحبها بهذا الوصف الكبير الدلالة.. والحق أن الشاب أو الإنسان الذي يملك مقومات الرجولة ليس بحاجة إلى تصنعها أو إقناع الآخرين بها، فمالم تنطق حاله بذلك، ومالم تشهد أفعاله برجولته فالتصنع لن يقوده إلا إلى المزيد من الفشل والإحباط.


الرجولة هى الحلم حين تطيش عقول السفهاء، والعفو حين ينتقم الأشداء، والإحسان عند القدرة وتمكن الاستيفاء؛ فاستحقوا المدح من الله ".


والهمة هى علامة الفحولة والرجولة وهي أن يعمل على الوصول إلى الكمال الممكن في العلم والعمل، وقد قالوا قديما: "الهمة نصف المروءة"، أما غير الرجال فهممهم سافلة لا تنهض بهم إلى مفخرة، ومن سفلت همته بقي في حضيض طبعه محبوسا، وبقي قلبه عن الكمال مصدودًا منكوسا، إنها صورة مخزية من صور دنو الهمة، وأشد منها خزيا أن تعنى الأمم باللهو وتنفق عليه الملايين، وأن تشغل أبناءها به.


يقول كوندي : "العرب هَوَوْا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها ، وأصبحوا على قلب متقلب يميل الى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات".


وهناك مقومات أخرى كثيرة كالجود وسخاوة النفس، والإنصاف والتواضع في غير مذلة، وغيرها من كل خلق كريم وكل سجية حسنة كلما اكتملت في إنسان اكتمل باكتمالها رجولته. وهذا الكلام فأين العاملون؟


الرجولة لا تشترى بالمال ولا بالكلام ولا بغيره، فأرح نفسك من عناء إثبات رجولتك..الرجولة عمل بطولي لا يُصنع في النوادي الرياضية ولا يقاس بأرقام كشوف الحسابات البنكية، لن تصل إليه بالصوت العالي ولن تناله بالاستعلاء على البشر، ليس زرا تضغط عليه أو ميزة تقتنيها، فهي أمر صعب لا يطيقه الكثيرون، إذ لا يمكن لصاحبها أن يعيش على هامش الحياة هائما على وجهه بلا هدف، حياته أسمى من أن تتمحور حول نفسه وأكبر من أن تدور في فلك ممتلكاته.


الرجولة كلمة حق وموقف حق، هي نصرة المظلوم على الظالم وابتغاء وجه الله في كل قول وفعل، هي الأخلاق الكريمة والمعاملة الحسنة، هي الشهامة عند حاجتها والشجاعة في وقتها، هي أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، هي أن تكون مستعدا للتضحية في سبيل ما تؤمن به، فأرح نفسك من عناء إثبات رجولتك..


كيف لي أن أصدق رجولة فرد ً يتحدث صاحبها عن نفسه باداء مسرحى مبالغ فيه كما يتحدث المتيم عن محبوبته، يرى نفسه أفضل من غيره تماما كما يرى المحبوب محبوبته أجمل النساء. كيف أصدق كلامك وأنت تضع نفسك في مرتبة فوق كل البشر ثم تدعي أن نظرتك الفوقية تلك هي الأصدق والأكمل! 


تصيبك الدهشة لما تراه من الميوعة والتخنث عند بعض الرجال ومما تراه من الاسترجال من بعض النساء حتى لا تكاد تفرق بين الصنفين، قديما كان الرجل إن لم يمنعه التدين من الميوعة منعه العرف والتقاليد . يجب على الأبوين أن يعلما ابنهم كيف يعيش بين الناس وهو رجل، يجعل الناس تفتخر به.


لن تقوم لنا قائمة إلا إذا أدرك الرجل أنه هو ساق هذه الأمة وساعدها، يتحلى بالشجاعة والعفة وبالأخلاق العالية، وتدرك المرأة أنها هي زهرة هذه الأمة، شيمتها الأخلاق والحياء والصفات الحميدة.


وتأمل حال بناتنا ترى العجب، فهده ترفع صوتها متأسية بالرجال، وأخرى تلبس لباسا تخجل العفيفات لبسه أمام إخوتها في بيتها، قدوتها شخصيات كل همها الزينة والسفور ولبس الملابس الفاضحة الخادشة للحياء، شخصيات لم تنجح في إنشاء أسرة متماسكة، أو لنقل لم تجد الرجل الذي تشاركه حياتها، لأنها تملك كاريزما رجالية لا تخضع لقيد ولا حدود.

وينشَأُ ناشئُ الفتيانِ منا..

على ما كان عوَّدَه أبوه




Share To: