ملاك فى مأزق | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة
ملاك فى مأزق | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة |
نظرية الحصان الميت (Dead Horse Theory) هي استعارة ساخرة توضح بأن هناك بعض الناس أو المؤسسات أو الشعوب تتعامل مع مشكلة واضحة وكانّها غير مفهومة، لكن بدل الاعتراف بالحقيقة،يتعامون ويتفننون في تبريرها والفكرة ببساطة:
لو اكتشفت بأنك راكباً على حصان ميت، فإن أفضل حل وأبسطه هو أن تنزل من فوقه وتتركه ولكن الواقع فعليًا: أنَّ هناك أناس أو مؤسسات أو شعوب بدلاً من أن تنزل من على الحصان، يتخذون اجراءات اخرى مثل أن يأتون بسرج جديد، يأتون بالعلف للحصان، يغيرون الفارس الذي يركبه، يعزلون الموظف الذي يتولى رعايته ويأتون بموظف جديد بدلاً عنه، يعقدون اجتماعات لمناقشة اجراءات لزيادة سرعة الحصان، تشكيل لجان وفرق عمل لدراسة الحصان الميت وتحليل الموضوع من كل الجوانب، فاللجنة تعمل لأشهر ثم ترفع التقارير ومقترحات حلول للحصان ميت، في النهاية، اللجان تتوصل لنفس النتيجة، المعروفة من البداية "الحصان ميت". ولكن مع ضياع كل الجهد والموارد والوقت، يكابرون في قول الحقيقة، ومن أجل التبرير يقارنون الحصان بأحصن ميتة مثله ويوصون بأن الحصان ميت لأنه ينقصه التدريب، ويحتاج إلى دورة تدريبية. وهذه الدورة تتطلب زيادة ميزانية الحصان. وفي الأخير يعيدون تعريف كلمة "ميت" لكي يقنعوا أنفسهم بأن الحصان ما زال حيا.
الدرس المستفاد من هذه النظرية يكشف كم يوجد هناك من أناس تفضل البقاء في حالة إنكار للواقع وتضيّع وقتها وجهدها في محاولات فاشلة، بدل من الاعتراف بالمشكلة من البداية ومعالجتها.
ويحضرنى رواية طريفة تتحدث عن ملاك كان مسؤولا عن قبض الأرواح ثم إعادة منحها للمواليد الجدد. وقد تعرض ذلك الملاك لمأزق حيَّره ذات مرة. إذ فرغت القائمة من أسماء الذين عليه أن يحصد أرواحهم، في حين كان لديه العديد من المواليد في حاجة إلى روح. حينئذ لجأ إلى أحد المحتضرين ممن كانت أرواحهم ستقبض بعد وقت قصير، فاتجه إليه يستعطفه لكي يعجل بقبض روحه قبل أن يحين أجله المحدد. بعد أخذ ورد وافق المحتضر على ذلك، لكنه اشترط أن يطلع على مصير الشخص الذي ستئول إليه روحه. فعرض عليه الملاك ما توافر لديه من بيانات المواليد الجدد، إلا أن المحتضر لم يعجب بمصير أي منهم. أخيرا أغراه الملاك بمولود قال إنه سيصير شخصا مهماً في بلده، وهو ما أثار اهتمام صاحبنا وإعجابه، بعدما وجد أن روحه ستحل في شخصية هامة ، فقال للملاك: الفكرة ممتازة. إذ لا أشك في أن وجهه ستحيط به هالة من نور، وهيبة منقوشة على وجهه وستظهر ملامح عبقريته وهو طفل. لكن الملاك حين راجع البيانات الموجودة لديه هز رأسه أسفا وقال ليس الأمر كذلك، إذ لن تظهر عليه تلك العلامات، لأنه ستعتريه بضع أمارات من البلاهة. فقال الرجل المحتضر: إذا فالنباهة ستبدو عليه في مراحل الدراسة فيما بعد.
ــ بالعكس تماما، لأنه سوف يتعثر في دراسته، وقد يرسب في بعض صفوفها، لذلك فإن زملاءه سوف يصفونه بالغباء. لابد أنه سيكون بهي الطلعة مهيب الجانب وممشوق القوام. قال الملاك: سيكون هزيلا وعليلا ومثيرا للعطف والتهكم من قبل زملائه.
إذا ستبدو عليه علامات التميز حين بلوغه ودخوله المرحلة الجامعية، فيغدو قائدا طلابيا شجاعا وملهما يلهب الرفاق حماسة. رد الملاك: أبدا، فكثيرا ما سيحتقره زملاؤه لفرط جبنه ووضاعته.
إذا سيكون ذرب اللسان قوي البيان محسودا بين أقرانه. فضحك الملاك قائلا: انس مسألة البيان. لأنه ما إن يتفوه بشيء حتى يثير التندر والسخرية.
لابد أن عبقريته ستنبثق في الحياة العامة بعد الدراسة، فتتفتق شهامته ونبله وشجاعته وكل الصفات العظيمة التي تليق بشخص بارز.
قال الملاك: لا شيء مما تذكره إطلاقا، والكثير من عكس ذلك هو الصحيح.
عند ذلك الحد فاض الكيل بالمحتضر، واستشاط غضبا وحيرة فقال ضجرا: إذا بـالله عليك، كيف سيصير ذلك الفاشل الكريه بارزا وهاما يتحكم في مقادير البشر؟. تركه الملاك حتى سكن، ثم قال له بهدوء وبرود. لا عليك. بعد أن يصير هاماً، ستنهال عليه المدائح وسيكون كل ما ذكرته من الصفات الفريدة صحيحا، بل
أكثر
فكم من محتضر أُخذت روحه عنوة لصالح البلهاء؟! وكم من ملاك فى حيرة من صمت العقلاء؟!
Post A Comment: