حكم رطوبة فرج المرأة | بقلم أ.د. روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
حكم رطوبة فرج المرأة | بقلم أ.د. روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة |
ويقصد بها الرطوبة أو البلل الذي ليس له مسببات.
اختلف العلماء في حكمها على عدة أقوال:
منهم من رأى نجاستها، وبالتالي قالوا إنها تنقض الوضوء ويتطلب معها تغيير الملابس الداخلية.
ومنهم من فرق بين الرطوبة الخارجية لفرج المرأة، فقال بأنها طاهرة، وأما الرطوبة الداخلية للفرج فقال بأنها نجسة، وبالتالي تنقض الوضوء.
ومنهم من رأى أنها طاهرة، وحجتهم على طهارتها أنه قد ثبت أن عائشة رضي الله عنها كانت تفرك المني من ثوب رسول الله ﷺ، وهو من جماع، لأن الاحتلام مستحيل في حق النبي ﷺ؛ لأنه من تلاعب الشيطان بالنائم، ولا يخلو غالبًا من مخالطة ماء المرأة ورطوبتها، ولو كانت نجسة لأمرها النبي ﷺ بغسلها.
والراجح في هذه المسألة ما يلي:
بالنسبة للإفرازات في الأحوال المعتادة، فإنها تختلف في حقيقتها عن النجاسات الخارجة من هذا المخرج، مثل دم الحيض والنفاس، فهذه الإفرازات عبارة عن ترشحات من أجزاء الجهاز التناسلي للمرأة، كما ذكر أهل الطب، وذلك لضرورة ترطيب المهبل وحفظه من دخول أو مهاجمة الجراثيم الضارة، كما هو الحال في الأنف والأذن والعين ، وهذه الإفرازات موجودة على الدوام، وهي تخرج في الأحوال المعتادة التي لا توجد معها مسببات إثارة أو مرض ونحو ذلك، وهذا حال غالب النساء. وحينئذ، لو قلنا بنجاسة هذه الإفرازات، فإنه من الصعب والمشقة والعسر على المرأة أن تلتزم بذلك؛ لأنها لا تخرج عن أحد حالين:
إما أن تلتزم الغسل الدائم لتلك المنطقة وغسل ملابسها الداخلية أو تغييرها باستمرار، مع انتقاض الوضوء مع كل خروج لتلك الإفرازات، وهذه مشقة بالغة بلا دليل.
وإما أن يكون حالها كحال من بها سلس الحدث، فيلزمها حكمه، وهو وجوب الوضوء لوقت كل صلاة عند جمهور العلماء.
ومن باب رفع الحرج والمشقة القول بطهارة تلك الإفرازات وأنها لا تنقض الوضوء في الجملة، وهو ما ذهب إليه الظاهرية وأيده الدكتور مصطفى الزرقا وآخرون لما يلي:
- لا يوجد دليلٌ من القرآن أو السنة أو الإجماع يدل على نجاسة هذه الإفرازات أو على نقضها للوضوء. وما لم يرد عليه دليل، فالأصل فيه الطهارة.
- هذه الإفرازات هي حالةٌ خلقية طبيعية ملازمة لكل أنثى، وهي مفرزاتٌ وظيفية، لا تستطيع الأنثى الاستغناء عنها أو التحكم بها. وهي توجد عند كل النساء بدرجات متفاوتة من حيث الغزارة والاستمرارية. وبالتالي، فإن تكليف المرأة بالوضوء وتغيير ملابسها الداخلية عند خروج هذه المفرزات يؤدي إلى تكليفها بما يشقّ عليها، خصوصًا إذا كانت من النساء اللواتي يرين هذه المادة مراتٍ كثيرة في اليوم الواحد.
وأما تمييز الحنفية بين حكم الإفرازات الداخلية والإفرازات الخارجية، فلا يقوم على دليل؛ إذ إن المرأة نفسها لا تستطيع التمييز بين هذه الإفرازات، لاختلاطها وخروجها من نفس المخرج.
وقد روي أن رجلًا سأل سعيد بن المسيب فقال: "إني لأجد البلل وأنا أصلي، أفأنصرف؟" فقال له سعيد: "لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضي صلاتي."
الخلاصة: إذن، هذه السوائل أو الإفرازات المهبلية الطبيعية التي تراها المرأة هي أمرٌ ضروري يشبه الدمع أو العرق، ومهمتها الأولى ترطيب المكان، بالإضافة إلى أنها وسيلة دفاعية؛ لأنها تُعتبر وسطًا حامضيًا يطرد الجراثيم، ويُعتبر وجودها أمرًا طبيعيًا وضروريًا لدى كل النساء بكميات متفاوتة. والله تعالى أعلى وأعلم.
Post A Comment: