ماذا قدم لي الأزهر ؟ | بقلم أ. د. روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
ماذا قدم لي الأزهر ؟ | بقلم أ. د. روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة |
حينما أجلس وتعودبي الذكريات إلى بداية التحاقي بالأزهر الشريف أتذكر وقتها كنت في بداية المرحلة الثانوية ودخلت الأزهر بمسابقة لغير المنتمين إلى الأزهر ، وكان مقرر عليً في امتحان المسابقة جزء من القرآن الكريم ، وكتاب متن أبي شجاع في فقه السادة الشافعية ، أما عن القرآن فلم أجد معضلة في حفظه ، خاصة مع وفرة الكتاتيب التي كانت تعتبر المنفذ الوحيد والأول لتعليم القراءة والكتابة ، وحفظ القرآن الكريم ، ولكن المعضلة التي واجهتني هى فهم كتاب متن أبي شجاع ، فحينما فتحت الكتاب وبدأت أقرأ فيه ، كأنني من كوكب آخر ، أو أن الكتاب ورد بلغة هيروغليفية ، وما أصعب المصطلحات الفقهية ، حتى الأمور البدائية في الشريعة لم أفهمها فعلى سبيل المثال : كنت أقرأ فيه أن من نواقض الوضوء الخارج من السبيلين ، وهذه الجملة في حد ذاتها معضلة ، خاصة أنني كنت أربط بين ماأقرأه في الكتاب بين ما يندرج عندنا في عرف القرية من مصطلحات قد يخالف مضمونها المصطلح الفقهي ، فالسبيل عندنا كان المقصود منه بناء يوضع على قارعة الطريق ويوضع به ماء عذب ليشرب منه الناس ، فكنت أتسائل ماعلاقة الخارج من هذا السبيل أو غيره بنقض الوضوء ؟! ولم يجد والدي مخرجاً لفهمي للكتاب إلا بالإستعانة بمدرس في القرية ولكن لسوء حظي ، كان شديد الحياء ، فكلما سألته عن معنى كلمة تلكأ وانتابه الحياء الشديد ثم اعتذر فقلت لنفسي ماذا أفعل ؟ فأشار علي والدي بمشورة ناجعة ، قال لي : هل تحفظين الجزء المقرر من القرآن ؟ قلت : نعم ، قال : هل تفهمينه ؟ ، قلت : غالباً لأ . قال إذن اعتبري هذا الكتاب جزء من القرآن الكريم خاصة أنه صغير لا يتعدى العشر ورقات ، واحفظيه حفظك لكتاب الله ، ففعلت ووفقني الله تعالى لحفظه ودخلت الامتحان ، فاجتزت اختبار القرآن بيسر وسهولة بفضل الله تعالى ، ولما جاء وقت امتحان مقرر الفقه بدأ الشيخ يسأل وأنا أجيب نصاً بلفظ الكتاب فأعجب وقال ماشاء الله ! إذن اشرحي لي هذه العبارة ؟ فوقفت ولم أفتح فمي بكلمه ، فتعجب وقال تكلمي ، فقلت لله ياشيخ أنا سأقول لك الحقيقة ، وأخبرته مشكلتي في فهم الكتاب ، فقال لي : وهل تريدين أن تفهميه ؟قلت : نعم ، قال إذن ستلتحقين بالأزهر حتى تفهي هذا الكتاب ، وكانت هذه هي البداية مع الأزهر الشريف الذي تعلمت فيه العلم الشرعي وفهمته ، وزادني الله من فضله أن أصبحت جزء ً من هذا الكيان أتقلد منبر للعلم أقف عليه وأقول قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال أصحابه وتابعيه ، وقال أبوحنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، سبحان الله ، ودائما أقول لنفسي ماأعظمها من هدية أهداني بها الأزهر وهل هناك أفضل من أن يصبح المسلم من الموقعين عن رب العالمين .حفظ الله الأزهر حفظ الله مصر .
Post A Comment: