رمضان يجمعنا بثقافات متنوعة بروح واحدة | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش

 

رمضان يجمعنا بثقافات متنوعة بروح واحدة | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش
رمضان يجمعنا بثقافات متنوعة بروح واحدة | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش


قبل أيام، شاركتُ الطالبات الوافدات سفراء الهداية في نشاط ثقافي ترفيهي حول الاستعداد لشهر رمضان الكريم، ومن جميل الأقدار أنني تأخرتُ قليلًا عن الموعد، فبدأت الطالبات بتقديم النشاط الثقافي الترفيهي بأنفسهن، مستعرضات العادات والتقاليد الرمضانية في مختلف البلدان الإسلامية.

ورغم اختلاف ألوانهن، وألسنتهن، وحدود أوطانهن، فقد اجتمعن على أمورٍ تعدّ في نظر الإسلام من المستحبات التي يُرغَّب فيها، لما تحمله من معاني المحبة، والرحمة، والجمال، والتعايش. ومن هذه العادات: الاحتفال بقدوم شهر رمضان بتزيين البيوت والشوارع والمساجد والمحال التجارية، وهو احتفاء يُعدّ من تعظيم شعائر الله تعالى كما هو الحال عندنا في مصر.

وليس هذا فحسب، بل إن زرع أهمية هذه الشعيرة في نفوس الأطفال أمرٌ جوهري، ويتم ذلك من خلال بعض العادات التي تعبّر عن دخول الشهر الكريم، مثل توزيع الورود والفوانيس، وإقامة أنشطة احتفالية تزيد من ارتباطهم بالشهر الفضيل. ففي إندونيسيا، يبدأ المسلمون استقبال رمضان بطقس "بادوسان"، وهو الاغتسال في الينابيع الطبيعية رمزًا للطهُّر والتجدد الروحي. أما في السودان، فتقام عادة "الزفة" حيث يخرج الأطفال في مواكب احتفالية حاملين الفوانيس، وينشدون الأناشيد الرمضانية فرحًا بقدوم الشهر الكريم. وفي ماليزيا، تُضاء المساجد والمنازل بفوانيس وزخارف مميزة، وتُنظم موائد الإفطار الجماعي في الشوارع لتعزيز روح التكافل بين أفراد المجتمع كما يحدث عندنا في مصر الحبيبة.

وكيف لا نحب رمضان، وهو شهر الخير، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النار، وتُصفَّد فيه مردة الشياطين؟ ومن صام نهاره، وقام ليله إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه.

وكذلك، فإن الاهتمام بالنظافة يُعدّ أمرًا جوهريًا في الاستعداد لشهر رمضان، إذ إنها في نظر الإسلام شطر الإيمان، وهي أيضًا علامة تميّز المسلمين عن غيرهم، كما قال المصطفى ﷺ: "نظفوا ألسنتكم ولا تتشبهوا باليهود."

ولا يقتصر الأمر على النظافة الظاهرة فحسب، بل تمتد العناية إلى طهارة القلب وصفاء النفس، حيث يُؤكد على ضرورة تطهير الباطن قبل الظاهر. ومن هنا، يحرص كل مسلم ومسلمة على العزم الصادق لترك النميمة، والكذب، والرياء، والحقد، والحسد، وسائر المعاصي، كبيرها وصغيرها، حتى يكون رمضان بدايةً جديدةً في رحاب الله تعالى، وفرصةً للارتقاء بالنفس والسلوك، وتجديد العهد مع الخالق عز وجل.

ومن العادات الجميلة التي حرصت الطالبات على إبرازها عادة إطعام الطعام، خاصةً مع الجيران والأقارب وحتى غير المسلمين، بغض النظر عن اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم. وهذه العادة تعدّ من أبرز صور سماحة الإسلام، ورسالةً قوية تعكس أخلاقياته الرفيعة، وتفنّد ما يثيره المغرضون من شبهات حوله.

كما أشرن أيضًا إلى الطابع الرمضاني المميز الذي يغلب على شاشات التلفاز خلال هذا الشهر الكريم، وأهمية استثمار هذا البث، حيث يلتف كثيرٌ من الناس حول الشاشات في رمضان، ما يجعلها وسيلةً فعالةً لتعزيز ثقافة المجتمع، ونشر أخلاقيات الإسلام، وتوضيح أحكام الصيام. ولا يقتصر الأمر على البرامج الدينية فحسب، بل يشمل أيضًا الترفيه الهادف، من خلال القصص التي تحمل في طيّاتها دروسًا مستفادةً، تعزز القيم الأخلاقية والروحانية لدى المشاهدين.

ومن جميل ما ذكرته الطالبات، خاصة ممثلة بوركينا فاسو، أن شهر رمضان يشهد انتشار مبادرات الإصلاح بين الناس، حيث يكثر فيه ردّ المطلقات ولمّ شمل الأسر، والسعي في الصلح بين المتخاصمين. وهذه إشارة جميلة إلى أن ما فرّقه الشيطان في لحظة غضب، يُصلحه رمضان بروحانيته ونفحاته المباركة، إذ يسود التسامح، وتذوب الخلافات في ظل القيم الإيمانية العميقة التي يحملها هذا الشهر الكريم.

كما أشارت الطالبات أيضًا إلى الحرص على إعداد ما لذّ وطاب من المشروبات الصحية والأطعمة الحلال، ولكن دون إسراف أو مباهاة، بل بروح البساطة والبركة، تأكيدًا على قيمة القناعة والاعتدال التي يدعو إليها الإسلام.

ختامًا، كان هذا اللقاء أكثر من مجرد فعالية ثقافية؛ فقد كان نافذةً مشرقةً تطل منها الطالبات على تنوع العادات والتقاليد الإسلامية التي، رغم اختلافها، تتوحد في روحها تحت مظلة هذا الشهر الكريم. في كل كلمة وتفاعل، كان هناك شعور بالدفء والانتماء، وكأن رمضان، بعظمته، يجمع القلوب قبل أن يجمع الموائد.

لقد أضاءت هذه الجلسة معاني التسامح، والمودة، والتآخي، مؤكدةً أن رمضان ليس مجرد شهر للصيام، بل هو موسمٌ للقلوب تتطهّر فيه النفوس، وتتصافى الأرواح، ويجدد العهد مع الله ومع المجتمع. خرجت الطالبات وهن يحملن في قلوبهن حبًا أكبر لهذا الشهر الكريم، وإدراكًا أعمق لقيمه، ورغبةً صادقةً في أن يكون رمضان محطةً حقيقيةً للتغيير نحو الأفضل.

نسأل الله أن يبلغنا وإياكم رمضان، وأن يجعله شهر خير وبركة وسلام على الجميع. 🌙💖




Share To: