الإحسان إلى الحيوان في الإسلام: رحمة واحترام للفطرة | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش 


الإحسان إلى الحيوان في الإسلام: رحمة واحترام للفطرة | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش
الإحسان إلى الحيوان في الإسلام: رحمة واحترام للفطرة | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش 


سؤال : السلام عليكم دكتورة ، لدي صديقتي قطة وضعت صغارها حديثًا، لكنها لاحظت أن القطة ترغب في التزاوج. صديقتي ترفض تزويجها خوفًا من أن تحمل وتترك رضاعة صغارها، وتفضّل الانتظار حتى يكبروا. فهل عليها إثم في ذلك؟"

الجواب : 

قال الله تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: 38]، مما يدل على أن الحيوانات كائنات خلقها الله بحكمة وجعل لها حقوقًا كما جعل للبشر، وأمر بالإحسان إليها.

والإحسان إلى الحيوان والرفق به من القيم الإسلامية التي حث عليها الإسلام ورتّب عليها الثواب العظيم، فقد جعل للحيوان حقوقًا يجب مراعاتها، ومنع التعدي عليها، ورتب على ذلك الإثم والعقاب الأخروي. قال النبي ﷺ: "في كل كبدٍ رطبةٍ أجر" متفق عليه، وهذا يشمل جميع المخلوقات التي تتنفس وتشعر بالجوع والعطش والألم. ومن ذلك ما ورد في الحديث عن المرأة التي دخلت النار بسبب قطة حبستها، فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض، حيث قال النبي ﷺ: "عُذِّبت امرأةٌ في هِرَّةٍ سجَنَتها حتَّى ماتَت فدخلَت فيها النَّارَ، لا هيَ أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هيَ تركتها تأكلُ من خَشاشِ الأرضِ" متفق عليه.

وفي المقابل، غفر الله لرجل وشكر له فعله لأنه سقى كلبًا كاد يهلك من العطش، فقال النبي ﷺ: "بينا رجلٌ يمشي، فاشتد عليه العطشُ، فنزل بئرًا فشرب منها، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكلُ الثَّرى من العطشِ، فقال الرجلُ: لقد بلغ هذا مثلَ الذي بلغ بي، فملأ خُفَّه، ثم أمسكه بفيه حتى رقى، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له" متفق عليه . وهذا يدل على أن الله يكافئ الإحسان للحيوان كما يكافئ الإحسان للبشر، لأن الرحمة تشمل جميع المخلوقات.

ومن مظاهر الرفق بالحيوان في الإسلام عدم تعريضه للأذى دون سبب، أو إيقاع الضرر عليه بلا ضرورة شرعية، حتى عند إزهاق روحه بالتذكية أو دفعًا لضرره، فقد أمر الشرع بالإحسان إليه في ذلك، فقال النبي ﷺ: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذَّبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته" متفق عليه . 

وبما أن الحيوانات مفطورة على غريزة تساعدها على البقاء وهي غريزة التكاثر والتناسل، فلا يجوز للإنسان إذا وجد حاجة الحيوان إلى التزاوج أن يمنعه من ذلك، لأنه إضرار به، والضرر محرم في الإسلام. والنظر في واقعة السؤال يبين أن المتيقن لصاحبة الهرة هو تأكدها من حاجتها إلى التزاوج، أما خوفها من أن الهرة إذا حملت قد تترك رضاعة صغارها، فهذا أمر مظنون لا يقوم على دليل يقيني، ولا يُعارض حاجة الهرة الفطرية للتزاوج.

فضلًا عن أن الله تعالى تكفّل برزق هذه المخلوقات وحفظها، ولم يأمرنا شرعًا باقتنائها أو تغطيتها من البرد والمطر، بل خلقها بقدرات طبيعية تجعلها قادرة على التكيف مع بيئتها. ولو كان صحيحًا أن الحيوان يترك صغاره بمجرد أن يحمل حملًا جديدًا، لوردت توجيهات شرعية واضحة تمنع ذلك، لكن لم يرد شيء من هذا، مما يدل على أن ما تعتقده صاحبة الهرة ليس أمرًا مسلمًا به.

الأولى إذن أن تترك الهرة لتقضي حاجتها الطبيعية، حتى لا تُعرض للأذى أو تُمنع مما فُطرت عليه، لأن الله خلقها على هذا النحو، والتدخل في فطرتها بلا سبب ضروري يُعد نوعًا من الإضرار بها، وهو مما نهى عنه الإسلام. والله تعالى أعلى وأعلم





Share To: