مراجعة كتاب ما أخفيته عنك للكاتب المبدع " أحمد عبد اللطيف " | بقلم الأديبة المصرية خلود أيمن
السلام عليكم ،
مراجعة كتاب ما أخفيته عنك للكاتب المبدع " أحمد عبد اللطيف " :
هذا الكتاب هو دفعةٌ من المشاعر المضطرمة التي سُطرَت بدقةٍ متناهية لتمحو الحزن القابع داخل القلب الذي يظل يئِن داخل الواحد منا حتى يفتك به ، يُرمِّم تلك المشاعر المهترئة التي بعثرتها التجارب المتباينة ، يُداوي تلك الجِراح الغائرة التي لم تبرأ أو تندمل بَعْد ، يُطيِّب خواطر الجميع بلا استثناء ، يشير إلى مواطن الألم ببراعةٍ فائقة وكأن الكاتب عاش تفاصيلها معك ، يُجيد البوح عمَّا أَخفيته طيلة حياتك وما كتمته داخل صدرك حتى كاد يقضي عليك وكأنه ينبش داخلك دون دراية منك ، يمنحك الحلول المناسبة لأغلب المشكلات التي تَمُر بها وقد يضيق صدرك بسببها فهو لم يترك شأناً من شئون الحياة لم يُشِر إليه أو يذكُره وبخاصةً ما يتعلَّق بالمشاعر التي تُعَد المحرك الأساسي والعامل الرئيسي في توهج المرء أو انطفائه ،
ثم ينتقل إلى بُعد آخر وهو كيفية التسليم بالقضاء والقدر ورؤية الخير فيما يُساق إلينا من أقدار وما يتحقَّق لنا من أحداث وما يُصيبنا من نكبات أيضاً فالمؤمن الحق يدرك جيداً أنَّ أقدار الله كلها خير مهما ظنَّ خلاف ذلك أو دفعه الشيطان للتمرُّد عليها أو التذمُّر منها في لحظات الضُعف والوهن التي تصيب الجميع بلا استثناء وهناك مَنْ يستسلم له ويُسلِّم له مقاليد عقله وهناك مَنْ ينصرف عن تلك الأفكار التي يَدِسها بعقله وينفُضها بعيداً بحيث يتمكن من أنْ يحيا حياة سوية سليمة بعيدة عن المنغِّصات التي تُزيدها تلك الوساوس فهو يزيِّن لنا طريق الضلال ويُبعِدنا عن درب الهدَى والتقوى والتقرُّب من الله من خلال تلك الدعوات التي تُزيح الهموم التي اعتلت الصدور وتُزيل الغمم للأبد بلا رجعة إنْ آمنا بالله يقين الإيمان ، ثم يُشير إلى دور الرجل الفعال في علاقته بالأنثى وكيف يمكنه التقرُّب إليها واستمالة قلبها والبوح بكلمات الغزل أمام العلن بحيث يفصح عن مكنون صدره الذي يُعَد الدليل الأوحد على حبه لها ورغبته فيها وهذا ما يجعل قلبها يميل إليه ويستمسك به لآخر نفس تلفَظه دون شكٍ أو تردد في ذاك القرار الذي اتخذته عن يقين تام ، ناهيك عن تلك البلاغة في وصف الأنثى وكأنها ملكةُ عصرها وسابقة زمانها وتاج الرؤوس وأجمل نساء الكون إذْ لا تضاهيها الأخريات في الحُسن والدلال ، فكلمات الغزل بأكملها لا تَفيها حقها أو تُجيد وصفها أو منحها قيمتها المُستحقَّة ، فهي معززةٌ مكرَّمة من جهة الرجل الذي من المفترض أنْ يصونها ويضعها في أعمق نقطة بقلبه بحيث لا يشاركه أحدٌ فيها أو يزاحمه في تفاصيلها أو يقترب من أراضيها المقدَّسة أو يدنِّسها ، فهو في مثل هذا الشأن لا يمكن مقارنة أحد به فهو أكثر مَنْ يتمكن من التعبير عن المرأة والإعلاء من شأنها والحفاظ على كيانها وكرامتها وحقوقها من الضياع ،
ثم يتعمق في وصف حالات النساء حينما يَخُضنْ تجارب الحب المختلفة التي تبوء أجمعها بالفشل فتكون النهاية واحدةً لديهن جميعاً بحيث يحوم شبح الحزن حول حياتهن ويمزِّق قلوبهن بلا رحمة أو شفقة أو هوادة ويجتث من أرواحهن فتُصبح شاحبةً وكأنها رميم ويُفقِدهن الرغبة في تكرار تلك التجارب مرةً أخرى ، ويجعل نفوسهن هشةً غير قادرة على العطاء الفياض كما كانت من قَبْل ، مواجهة القادم بنفس الشموخ والقوة والعزة والصلابة ، بحيث تكتفي كل منهن بذاتها في نهاية المطاف حينما تفقد الثقة في صنف الرجال وتُؤثر البقاء في وحدتها وتندم على ضياع وقتها وعمرها وإفناء زهرة شبابها في علاقة لم تمنحها كما توقعت أو انتظرت فقد اتخذت عهداً مع نفسها بألا تتسول مشاعر أحد أو تشحذ اهتمامه وأنْ تترفع عن أي شعور قد يأتي منقوصاً وإنْ كانت بحاجةٍ ماسة إليه فهذا أفضل كثيراً من نوبات الخذلان المتكررة التي تعرَّضت لها في الماضي بلا رحمة بعواطفها الجياشة الصادقة التي جادت بها بلا انقطاع أو نضوب أو توقف ولم تَنلْ سوى الخِسة والوضاعة والهَجر والفِراق بعد وصل زائف دام لسنوات وقد تعلمت درساً لن تنساه ما حيَت ،
ثم يوجِّه رسالة عتاب لتلك المحبوبة التي أسماها ( وِصال ) فقد راقني هذا الاسم الذي أجاد اختياره لكونه أبعد ما يكون عن معناه الحقيقي فهي لم تَصِله أو تتواصل معه أو تحاول الإبقاء عليه بل تركته وضربته بخنجر الخذلان ودعَته يتخبط بين المآسي ويتجرَّع الأحزان من بعدها ويعاني مَرار الوَحدة ويئِن ويتألم دون أنْ يشعر به أحد ويظل في انتظار تلك العلاقة التي تنقذه ممَّا أصابه ولكن بلا جدوى فتبقى أيامه قاسية لا ترحم وقد يفقد ثقته بنفسه بالتدريج سائلاً حاله عن سبب هذا الهجر المفاجئ الذي أدمَى قلبه وأصابه بحالة من الإحباط لا يبرأ منها أبداً مهما حاول وتبدأ شُكوكه في طريقة تعامله مع الجميع ويتساءل أكانت مشاعره المفرطة هي ما تسببت في هذا الحال الذي وصل إليه للتو أم أنها الخديعة التي يتمتع بها أغلب الخَلْق اليوم من أجل إيقاع الآخرين في شِباك غرامهم ثم يَفِرون هاربين في الوقت المناسب بعدما يعتادهم الطرف الآخر تاركين له فراغاً لا يملأوه أحد من بَعْدهم ويظل مضطرباً غير راغب في خوض أي علاقة فيما بَعْد ،
ثم يختتم الكاتب كتابه بتلك النصائح النفيسة التي يُسديها للجميع من أجل الحفاظ على نفسيتهم من السقوط في فخ المعاناة التي يصعُب الخروج منها ، طالباً منهم تجنب الأذى واجتناب البشر مِمَّن لا يستريحون إليهم مُخبِراً إياهم أنَّ الله يُنقِذهم في الوقت المناسب وعليهم أنْ يتعظوا وألا يمنحوا كامل الثقة لأحد ،
كما يُخبرنا أن تجارب الحياة هي ما تجعلنا أكثر صلابةً والمواقف العصيبة هي ما تمنحنا القوة التي تمكِّننا من استكمال الطريق دون أنْ يُصيبنا أي ضُعف أو يعترينا أي خوف أو يساورنا أي قلق حِيال أي أمر فهي بمثابة العاصفة التي تُزيل الأوساخ من الطريق وكأنها تمهِّد لنا الطريق الجديد الذي يتحتَّم علينا السير فيه بكل شموخٍ وثبات دون أنْ يقهرنا أي شيء مهما بلغت صعوبته وأنَّ تلك التجارب المؤلمة هي ما ستُغيِّرنا وتجعلنا ناضجين بالفعل ، كما أشار أن الشخص الذي يملِك مشاعر صادقة هو أكثر مَنْ يتعرض للترك والهجر والفِراق دون أنْ يعرف السبب وراء ذلك الأمر وهو ما يُشقِيه ويُتعبه ويجعله أكثر ألماً وبؤساً ، كما وضَّح أهمية التمهُّل في اتخاذ القرار فهو ما يُبعِد المرء عن أي تبعات وخيمة قد تلحَق به نتيجة التعجُّل والتسرع ، كما أكَّد على دور الحزن في حياة المرء فهو كسحابة لا بد أنْ تَمُر بحياته كي يدرك قيمة السعادة التي يهنأ بها ويترغد فيها دون أنْ يستشعر نعيمها ، وقد وقعت في حب تلك النهاية التي جعلت روحي تتوهج ويَدِبُّ فيّ الحماس ويعود إليّ الشغف الذي يخفُت بريقه بين الفينة والأخرى حينما أكد الكاتب على ضرورة استناد المرء على ذاته وكيف يُمكِنه أنْ يبدأ من جديد بعد تعرُّضه للمزيد من العثرات التي مرَّ بها دون انتظار لمساندة من أحد فهذا ما سيُعيد إليه شعوره بالحياة ، كما ألحَّ على أهمية التقرب إلى الله والتوسل إليه في كل وقت وحين وإنْ قصَّر العبد في أعماله فلسوف يقبَل الله توبته ويشمَله بعفوه وغُفرانه مهما كثُرت سيئاته وذنوبه فالأهم ألا يتوقف عن ذِكر الله في كل خُطوة يَخطوها وكل محطة ينتقل إليها من عمره حتى يحفظه الله ويرعاه ويحميه من الشرور ويعصِمه من الوقوع في المعاصي التي لا يتمكن مَنْ يغوص فيها من اجتنابها أبداً أو التراجع عنها ،
في النهاية أحب أنْ أوجِّه خالص الشكر لهذا الكتاب الرائع فهذا ما اعتدناه منكَ أستاذ أحمد ، أسلوب سلس وكلمات عميقة تصف ما يَعُج داخل القلب دون بوح وكأنك عِشت تلك التفاصيل التي نحياها بالفعل ، وتجرَّعت من نفس الكأس وتعرَّضت لنفس التجارب ...
بالتوفيق فيما هو قادم وفي انتظار المزيد بكل شغفٍ وحماس ، دُمتَ معطاءً للثقافة والأدب ورفع الله قدرك في الدارين ... 🌹 .
Post A Comment: