الصداقة الزوجية | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة
![]() |
الصداقة الزوجية | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة |
قضية مقالى اليوم هى ما يؤرق الكثير من منازلنا الزوجية ليس فى الوطن العربى فقط ولكن فى العالم اجمع فى ظل التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الإجتماعى، تلك العولمة التى جعلت العالم قرية صغيرة. فاليوم نتحدث لا لندفن رؤوسنا فى الرمال خجلاً، بل لنحصن بيوتنا ونحميها من التداعى.
جميل ان تتزوج، ورائع أن يكون لك شريك حياة، ولكن الأروع والأجمل أن يكون الشريك صديق، رفيق وقت الضيق. أتحدث عن الصداقة الزوجية الحميدة التى هى اقوى وأهم من العلاقة الحميمة. لكن تلك الصداقة ليست وليدة اللحظة ولا تأتى بعد زواج مخادع قام على التجمل فى فترة الخطوبة، فكما يحتاج بناء البيت قبل أن تسكن فيه إلى قواعد وأعمدة وديكورات، كذلك العلاقة السليمة بين الزوجين تنشأ منذ اول يوم خطوبة. فالعجب كل العجب ممن يخدع طرفه الأخر ، نصفه الأخر ، فهو يخدع نفسه بتجمله قبل أن يخدع الطرف الأخر وبالتالى سيكون حصاده زواج لا حياة فيه... سبحصد خسائر مضاعفة لذاته. فكيف لعاقل ان يغش نفسه ويخون ذاته ويسبب لنفسه معاناة تدوم سنين وربما عمراً طويلاً بمجرد سعادة وقتية قصيرة؟!
أتحدث عن صداقة زوجية لا تخشى لوم أو تقريع، لا يهددها شبح الطلاق بأنواعه الرسمى منه أو العاطفى. ويبقى السؤال كم واحد منا يتمتع بهذة الصداقة الزوجية؟ من منا يمكنه الإعتراف لشريك حياته بكل وادق تفاصيل مشاعره وكأنه أمام مراته ويتحدث لنفسه دون تردد أو رهبة؟
ماذا لو ان زوجة وقعت فى حب رجل أخر عير زوجها أو العكس؟... أصبحنا نسمع عن هذا كثيرا. ماذا لو انها أخبرت زوجها بذلك أو العكس؟ تُرى ما موقف الزوج حينها؟ بالطبع الغالبية سيكون رد فعلهم السب والضرب والطلاق كنتيجة حتمية فورية.
سؤالى هنا هل ما فعله الزوج هو حكمة لا ندركها وعلاج لزوجة المفترض أنها كل حياته وان بينهما حب دفين ، ام ان ردة فعله تلك هى انتقام ذكورى لكرامته المهدرة؟ الم يخطر بباله قبل الطلاق أنها اعترفت له كاستغاثة مما أصاب قلبها من ضعف عاطفى ووهن؟ ذلك الضعف الذى ربما تسبب هو فيه بغيابه عنها أو اهماله لها. أرى أنه كان جديرا به ان يحاول أن يساعدها فى محنتها.
كم أسرة تعانى من روتين زوجى ؟ كم أسرة تخشى لوم الأهل والمعارف فالتزمت الصمت رغم الألم ؟ ازواج لكن غرباء تحت سقف واحد.
الصداقة الزوجية هى احترام، امان، تواصل فكرى بعيداً عن حياة الملل والرعاية والرهبة من شريك الحياة ، بعيدا عن الخرس الزوجى. أتحدث عن حياة زوجية يسودها المرح والتسامح، حياة تمنح مزيد من الوقت والاهتمام بالطرف الأخر للغوص فى أعماقه النفسية وتقبل العيوب بل رؤيتها كمميزات إن أمكن أو على الأقل محاولة إصلاحها. أتحدث عن تقارب روحى ليس فيه انا وهى بل انا وزوجتى زوج واحد ، كيان واحد، علاقة اكتمال واكتفاء. اتحدث عن حياة زوجية يكون فيها الزوجين على سجيتهما حين يتحدثان.
إن رسالتى هذه هى ما تنادى به الأديان والفلاسفة من سكن ورحمة. ولا تنسى قبل أن تحكم على مقالى وافكارى أن ما كنا ننكره بالأمس ونستحى منه صار اليوم أمراً ملحا لدراسته ومعالجته. ستتمنى غداً لو انك قرأت أكثر وتعلمت أكثر عن فنون الحياة وحكمتها القائمة على الإقناع والاقتناع دون عنف ولا زيف. أريدك أن تتحرر من كل مخاوفك أمام شريك حياتك، أن تشعر بالأمان كما لو انك ببيتك تلبس ما تشاء وتفعل ما تشاء ، فإن لم تستطع ذلك فأنت ميت فى صورة حى.
ابحثوا عن اهتمامات مشتركة، وهذا لا يعنى التلاصق دوما بينكما ولكن اجعلوا بينكما مسافات صحية. جددوا علاقتكما لتخلو من الرتابة المميتة والأنانية بعيدة كل البعد عن استنزاف طاقة شريك الحياة.
وختاماً جاء فى الحديث النبوى" ألا اخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة، قالوا بلى يا رسول الله، قال:" إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هى الحالقة. لا اقول حالقة الشعر ولكن تحلق الدين" رواه ابو داود والترمذى وقال حسن صحيح . والحالقة هنا تعنى استأصل الدين وقطع الرحم كما يحلق الموس شعر الرأس.
لا تتركوا النساء فريسة فما اكثر الصيادين. لا تروى زرع غيرك وأهتم بثمار حديقتك. حفظ الله بيوتنا وأهلنا.
Post A Comment: