حكم الأضحية بالعجول المسمنة التي لم تبلغ السن المعتبر شرعًا | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


حكم الأضحية بالعجول المسمنة التي لم تبلغ السن المعتبر شرعًا | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
حكم الأضحية بالعجول المسمنة التي لم تبلغ السن المعتبر شرعًا | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

أولا : فإن الأضحية شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، شرعها الله عز وجل لحِكمٍ سامية، من أهمها إحياء سنة الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وتحقيق السعة والفرح لأهل البيت والمحتاجين، ومظهر من مظاهر التقرب إلى الله تعالى.

ثانيا : دلت الأحاديث النبوية على أن من شروط صحة الأضحية بلوغ السن المعتبر شرعًا، وهو: ستة أشهر للضأن، وسنة للماعز، وسنتان للبقر، وخمس سنوات للإبل، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن" .   رواه مسلم ، والمسنة من البقر هي ما أتمت السنتين.

ثالثا : والحكمة من اشتراط هذا السن أن يبلغ الحيوان نضجًا لحميًّا يجعل منه أضحية مقبولة تحقق مقصد السعة والتوسعة في العيد، وهو مقصد ظاهر من مقاصد هذه العبادة الجليلة.

رابعا : من استطاع بلوغ هذا الضابط الشرعي فذلك أولى وأفضل، لما فيه من التزام ظاهر السنة وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه.

خامسا :إن الواقع المعاصر، خاصة في قطاع تربية العجول، يشهد تغيرًا ملحوظًا، حيث تُستخدم تقنيات تسمين مكثفة تجعل العجول تصل إلى وفرة لحميّة عالية خلال عدة أشهر، دون الحاجة إلى البقاء حتى تمام السنتين. والمزارعون لا يحتفظون بالعجول لتلك المدة غالبًا، لسببين رئيسين:

أولًا: أن الحيوان يصل إلى أقصى طاقته اللحمية في عمر أقل من سنتين، والاحتفاظ به أكثر من ذلك لا يزيد اللحم وإنما يراكم التكلفة.

ثانيًا: ارتفاع أسعار الأعلاف مما يجعل الاستمرار في التربية إلى السنتين عبئًا ماليًا يعرض المزارع للخسارة.

وعليه، فإن تعذر على المضحي تحصيل أضحية بلغت السن المعتبر، وكان العجل المسمن قد نما نموًا كافيًا، وظهر فيه وفرة اللحم وجودته، وكان سليمًا من العيوب، ولا يترتب على أكله ضرر صحي بشهادة أهل الخبرة،فلا حرج شرعًا في الأضحية به، تحقيقًا لمقصد الشريعة في التيسير، وإدخال السعة على الفقراء، ورفع الحرج عن الناس، وهي كلها مقاصد معتبرة.

وقد قرر الفقهاء أن المشقة تجلب التيسير، وأن المصلحة الراجحة المعتبرة إذا لم يعارضها نص قطعي فهي مرعية في الشريعة، وتُبنى عليها الأحكام، لا سيما في أبواب العبادات الموسعة والشعائر الموسمية التي رُوعي فيها حال المكلفين وأعذارهم.

وفي مسألتنا، فإن حديث النبي ﷺ: «لا تذبحوا إلا مسنة...» حديث قطعي الثبوت، لكن دلالته ليست قطعية في منع الأضحية بما دون السن مطلقًا، بل هو ظاهر في تقرير الأصل لا في سدّ باب الرخصة عند تحقق المصلحة وتعذر الميسور.

فإذا تحقق مقصود الشارع من وفرة اللحم وجودته، وتعذر تحقيق صورة السن المعتبر، جاز الترخص بذلك في موضع الحاجة، دون تفريط في أصل السنة، بل تطبيق لها على وجه يراعي واقع الناس ومصلحة المحتاجين ، وهذا قول عطاء والأوزاعي . 

وبناء على ذلك فإن الذي وُفّق إلى الأضحية المستوفية للسن فهو على خير وفضل، ومن لم يجد إلا عجولًا مسمنة تحقق ذات المقصد، فلا يُمنع من الأضحية بها، بل يُرجى له الأجر بصدق نيته ومراعاته لوسع الشريعة ورحمتها.

وليعلم المضحي أن الله لا ينظر إلى سن البهيمة ولا إلى وفرة لحمها فحسب، وإنما ينظر إلى النية والتقوى والإحسان، كما قال سبحانه: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ ﴾ الحج  37.

فليُقبل كل مضحٍّ على نسكه بقلب خاشع، ونفس طائعة، وإحسان إلى خلق الله، فإنها عبادة لا يُتقبَّل منها إلا ما كان خالصًا لله، طيبًا مباركًا.

نسأل الله أن يتقبل من عباده نسكهم، وأن يجعل أضحيتهم لهم نورًا وبركة، وأن يُلهمنا الفقه في دينه، والرحمة بخلقه، والتعظيم لشعائره.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




Share To: