صيام يوم عاشوراء بين الاتباع والتميّز | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


صيام يوم عاشوراء بين الاتباع والتميّز | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة

صيام يوم عاشوراء بين الاتباع والتميّز | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 





الشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع السماوية، ففيها الدستور الكامل الخالد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد. ولما تفردت هذه الشريعة الغرّاء بهذه السِّمة، حثَّ المصطفى ﷺ على مخالفة أهل الكتاب في عقائدهم وشعائرهم، تأكيدًا على تميُّز الأمة، وتكريسًا لهُويتها، وإحياءً لسُنن الفطرة والحق، حرصًا على ألا يختلط على المسلم الحق بالباطل، أو يُموَّه عليه الباطل بثوب من الحق، وحفاظًا على هوية الإسلام ومنعًا من ذوبانه في الديانات السابقة عليه.

ومن دلالات هذه المخالفة المشروعة لأهل الكتاب: صيام يوم عاشوراء، فقد دخل النبي ﷺ المدينة المنورة مهاجرًا بدينه، فوجد اليهود يصومون اليوم العاشر من المحرم، فسألهم عن سبب صيامهم، فقالوا: هذا يومٌ نجّى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله. فقال النبي ﷺ: نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه ، وذلك لأننا نؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين، بل لا يكتمل إيمان مسلم إلا بالإيمان بهم جميعًا، والكفر بواحدٍ منهم كفرٌ بهم جميعًا، ومن هنا جاء وعد رسول الله ﷺ بصيام هذا اليوم في العام المقبل، لكن مع ضابطٍ نبويٍّ واضحٍ يميّز عبادة المسلمين عن عبادة أهل الكتاب، وهو أن يُصام يوم عاشوراء مع يوم قبله أو بعده، ليظلَّ مظهر الشريعة متفردًا، وأحكامها قائمة على الاستقلال لا الذوبان في المعتقدات الأخرى ، ثم أكّد المصطفى ﷺ فضل صيام هذا اليوم ببيان مكافأته الربانية، وهي: تكفير ذنوب السنة الماضية، كما جاء في الحديث الصحيح: «" وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله" "رواه مسلم" ، ومعلوم أن الذنوب التي يُكفّرها الله تعالى بصيام هذا اليوم، هي ما تعلق بحق الله تعالى من الصغائر ، أما الكبائر فتحتاج توبة خاصة ،وأما ما تعلق بحقوق العباد، فليس من خصائص هذا الصيام أن يُكفّره، حتى يعفو صاحب الحق أو تُؤدَّى المظلمة إليه، لأن حقوق العباد مبنية على المشاحّة، بخلاف حق الله المبني على المسامحة.

ومن تمام الاقتداء بالنبي ﷺ في هذا اليوم، أن نُحييه على نهجه، بالشكر والاتباع والتعظيم لما عظّمه الله، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المدينةَ، فرأى اليهودَ تصومُ يومَ عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومٌ نجَّى اللهُ فيه بني إسرائيلَ من عدوِّهم، فصامَه موسى. قال: فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامَه، وأمرَ بصيامِه" [رواه البخاري، . بل داوم رسولنا الكريم على صيامه، وشهد بذلك أصحابه الكرام ، فهذا الصيام ليس مجرد طقس، بل هو عبادة شكر لله على نصر الحق وأهله، وعلى المؤمن أن يستلهم من هذا اليوم معاني الانتصار على الباطل، وتزكية النفس، واستحضار عاقبة الصادقين. إن عاشوراء دعوة سنوية للتجديد الإيماني، وفرصة لتطهير الذنوب، وتجديد العهد مع الله تعالى على التزام الطاعة وترك الظلم، ومراجعة النفس في حق الله وحقوق العباد على السواء



Share To: