"صِـنعة الله" | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد
![]() |
"صِـنعة الله" | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد |
لفتتني عبارة قالها "سائق ركشة" وهو مندمج في نقاش وونسة بالجوال، قال لمن يتحدّث إليها: "زمان كنت بشوف عشرة بنات وبتعجبني واحدة هسي بعجبوني العشرة أعمل شنو؟! لأنكم بقيتو تتشابهو كلكم سمحات ونفس الشكل والاستايل" .. واصل هو في نقاشه، تارةً يضحك وتارةً يحتد في الحديث، وسرحت أنا في تلك العبارة وبساطتها، لقد اختزل الواقع في جملة!
الحقيقة أن ما قاله من وحي تجربته هو واقع فعلاً، منذ سنوات قليلة أصبحت أشكال الفتيات تتشابه لدرجة كبيرة، كأنه استنساخ متعمّد، الاختلاف عن ذلك المظهر السائد أصبح نادراً جداً، شيء عجيب!
تخيَّل عزيزي أنك ذهبت لمنطقة ما، فيها صنف واحد من الطعام لا يأكلون غيره ليلاً ونهار، أكيد لن تبقى طويلاً في المكان، وستهرب من ذلك الملل.. وبنفس القدر فإن الاختلاف والتنوّع بين البشر مطلوب، فهو سنة الحياة ومن مصادر جمالها، ألوان وأطوال وأوزان وملامح متباينة "كل شيء خلقناه بقدر".
لكن ما يؤسف حقاً أننا وصلنا مرحلة بعيدة جداً من الإفراط في التغيير، ليس لأجل الرجل فقط، وإنما المنافسة صارت بين البنات فيما بينهم، فلانة فعلت وتلك "شفطت" وأخرى "نفخت"..
بصراحة ليست لدي مشكلة أبداً مع التجميل وأدواته المختلفة، لكن أزمتي الحقيقية مع الإفراط والمبالغة في "تظبيط" المظهر، حتى يصل الأمر إلى تهديد الصحة، أ يستحق الأمر كل تلك التضحية، أ لأجل "لايك" من أحدهم أُعرض حياتي للخطر، ماذا ستفعل "الإعجابات" إن ضاعت العافية؟!
ثم ثانياً من يقرر أنكِ جميلة أو لا؟ أعتقد أن الجواب هو "أنتِ" أنتِ من يمنح ذاتكِ الثقة بأنك جميلة جداً لأنكِ صِنعة الله، وحاشاه أن يخلق قبيحاً.
في كتاب "تجربتي مع الجمال" تحكي سيدة أمريكية أنها تعمَّدت الاستغناء عن كل مظاهر الجمال وأدوات التجميل لمدة عام كامل، قالت في كتابها: "لم أجد في حياتي رضا وسلام داخلي وثقة مثلما وجدتها في هذا العام، لقد تحررت من أسر رأي الناس فيني، فالبحث الدائم عن الجمال يعيقنا من الوصول إلى السعادة والثقة والصفاء" وقالت في خاتمة كتابها عبارة عظيمة: تعلمت أن أُحب نفسي الحقيقية.
عزيزتي: أنتِ جميلة بخلقتكِ التامة، بلونك الأسمر أو الأبيض أو الأسود، بوزنِك وطولِك؛ كما أنتِ.. جميلة بتقبلكِ لاختلافك، بأخلاقكِ العالية، بقلبكِ الطيّب وسلامكِ النفسي..
Post A Comment: