رِحْلَةٌ مَعَ يَا أنْتَ في دَاخِلي | بقلم الأديب العراقي/ عماد الدعمي

رِحْلَةٌ مَعَ يَا أنْتَ في دَاخِلي | بقلم الأديب العراقي/ عماد الدعمي 

رِحْلَةٌ مَعَ يَا أنْتَ في دَاخِلي | بقلم الأديب العراقي/ عماد الدعمي

هَـلِ الْتَقَيْتَ بِفَـقْـرٍ أيُّهــا الْوَغْدُ

هَلِ الْتَحَفْتَ رَصِيفًا غَطَّهُ البَرْدُ

وَهَلْ مَشَيْتَ بِدَربِ المُتْعَبينَ، وَهَلْ

سَمِعْـتَ نَايَ حَزِينٍ حِينَما يَشْدُو

إلَيْكَ عَنِّي وَدَعْ أحْلامَ أخْيِلَتي

تَغْفُو عَلـى زَهْرَةٍ اغْصَـانُها وَرْدُ

أمُبْحِرٌ أنْتَ مِثْلِي دُوْنَ أشْرِعَـةٍ

يُواجِهُ المَوجَ لا يَدْرِي بما يَبْدُو

مُشَتَّتٌ وَخُطَى الأوْهَامِ تَأخـذُنِي

مِـن حَيْثُ أدْرِي ولا أَدْرِي وَما الْقَصْدُ

وَرِحْلَـةُ الْعُمْرِ لا حَـظٌ يُرافِـقُهَـا

لَمْ تَبْقَ فِيــها مَسَرَّاتٌ وَلا سَعْدُ

لَمْ تَبْـــقَ فِيها مَواعِيـدٌ مُؤجَّلَـةٌ

وَغَايةُ الْمَرءِ أنْ يَحْيَا بِـه الوَعْدُ

فَكَيْفَ تَأمَنُ أَقْـــدَارًا تُحِيطُ بِنَا

وَأَنْـتَ فـي رِحْــلَةٍ أيَّــامُها عَـدُّ

هَـلِ الْتَفتَّ إلـى شَعْبٍ يُؤرقُهُمْ

لَيْلُ الظّلامِ، فَـلا أُنْسٌ ولا وَقْـدُ

وَلا بَقِيَّـــــــةُ آمَــالٍ تُرافــقُـهُـمْ 

كَـأنَّـهُم جُـزُرٌ قَــــدْ عَـافَهـا المَدُّ

كَأنَّهُـم عَبـَثًا يَمْشُونَ فـي طُرُقٍ

يُجالِسُــونَ ظِـلالًا عَــاثَها الصَّدُّ

وَيَسْلِكُــونَ دُرُوْبًـا دُونَ بُوْصِلَةٍ

وَيَنْظـرُونَ سَرَابًــا حَيْثُما الْبُعْـدُ

وَيَسْهَرُونَ عَلــى حُلْمٍ يُراودُهُمْ

وَيَغْزِلُـونَ خُيُـوطًا مَــا لَها عَقْـدُ

ويَقْـرَؤونَ حُرُوْفًـا فـــي مُكاتَبةٍ

للآنَ تَشْـهَـدُ خَطًّا خَطَّـــهُ الْعَهْدُ

وَيَنْـدِبُـونَ أُنَـــاسًا جُلَّهُمْ رَحَـلُوا

يالَيْتَ شِعري بلَوْ عَادُوا ولو رَدُّوا

وَلَيْتَ شِعري بِوادٍ بَاتَ يُؤنسَهُمْ

مِـن بَعْدِ مَا قُبِرُوا واغْتَالَهُمْ لَحْدُ

إليْكَ عَنِّـي فإنّــي نِمْتُ مُحْتَسِبًا

في أضْلُعِي حَسْرَةٌ مِن نَارِها الرَّعْدُ

في مَخْدَعي وَجَعٌ ما أنْ أروَّضَهُ 

يَثُـورُ فــــي لَحْظـةٍ نَزْفًــا وَيَنْهَدُّ

فَكَيْفَ تَسْألُنـِي عَـنْ بَسْمَةٍ ذَبُلَتْ

وَعَـنْ شُحُوْبٍ بِوَجْهٍ هَدَّهُ السُّهْدُ

وَعَنْ جَفـافِ أحَــاسِيسٍ تَمَلَّكَني

وَعَنْ أَمَانٍ مَضَتْ كَانَتْ هِيَ الرَّفْدُ

وَعَـنْ مَرايـا كَثِيـرًا مَـــا اخَـاصِمُهَا 

كَيْـمَا تُعــاكِسَ عَمَّــــا خَلَّـفَ النَّـكْدُ

يَـا سائلًا عَنْ مَشِيبٍ بَـانَ مُتَّقِدًا 

أَ زَارَكَ الضَّيْــمُ والإعْـيَاءُ والْكَــدُّ

أَرَاعَكَ الخَوفُ والمَجْهُولُ والحَزَنُ

وَهَـلْ تَذَوَّقْتَ حِرْمَانًا وَمَـا الْفَقْدُ

وَهَلْ تَجَرَّعْتَ مِرَّ الْعَيْشِ فـي كَبَدٍ

وَحَوْلَكَ الْخَمْرُ وَالنُّدْمَانُ والشَّهْدُ

وَهَــلْ شَعَرَت بأيْتَـــامٍ وأرْمَــــلَةٍ

نَامُوا جِياعًا وَدَعْوَاهُمْ لَكَ الْحَمْدُ

يُراقِبُـونَ بِعينِ الصَّبْــرِ مُسعِفَـهُمْ

عَلَّ الصَّدَى جَاءَ مِنْ طَرْقٍ فَيَرْتَدُّ

وَيَذْكرُونَ أَبًا مَــا عَادَ يَحْضُنُهُمْ 

وَيَذْرِفُونَ دُمُـــوعًا مِلؤُهَا الْخَدُّ 

يَاأنْتَ في دَاخِلي قُلْ لِي إذا سَألُوا

وَأجْبـَرُونـــي لِمَـاذَا يُشْتَرى العَبْدُ

مـَاذا أُجِيبُ ومَا عِنْـدِي يُخالفُهُمْ

وَلَسْتُ مُعْـتَـذِرًا إنْ سَــــاءَهُمْ رَدُّ

أوْ هَزَّهُـــمْ كَلِـمٌ يَنْهَـــالُ كالشَّـرَرِ

مَا دَامَ مَنْبَعُ أشْعــاري هُوَ الْوَجْدُ

إنِّي وإنْ صِرْتُ يَوْمًا ظِـلَّ أفْئِدَةٍ

لَكنَّنِـــي عَـاجِزٌ لَــوْ صَـدَّني رُشْـدُ

أوْ سَاءَني زَمَـنٌ مَـا كَانَ يُسْعُفُني 

فَبَصْمَةُ الحِبْرِ شِعْرٌ كَــانَ أوْ سَرْدُ

مِفْتَاحُ ألسِنَةٍ تَــرْوِي شَواهِــــدَنـا

وَبــــابُ مَنْـقَبـةٍ عِنْــوَانُـها المَـجْدُ

يَا أنْتَ فـــي دَاخِلي عُذْرًا لأسْئلَةٍ 

تَحْتاجُ أجْـوِبَةً مـَــــــــا عَابَها نَقْدُ

تَحْتــــاجُ مُعْتَكِفًا يَنْـــــأى بِعزْلَتِـهِ 

حَيْثُ التّراتيـلُ والتَّسْبِيحُ وَالخُلْدُ

حَيْثُ الجَّمـالُ بِواحَـــاتٍ مُعَطَّـرَةٍ

لا قُبْحَ فـي رَبْعِـها لا وَجْـهَ مُسْوَدُّ

كَأنَّها جَنَّةٌ فــــــي صَفْـوِ سَاحَتِـها

يَحْيَا السَّـلامُ وَيَزْهُو أرْضَها الْوُدُّ

يَا أنْتَ ضَاعَ اجْتهادِي مِن مُنازَلَةٍ

والصَّدرُ ضَــاقَ فَلا صَبْرٌ ولا صَلْدُ

وَلا عَـزِيـمَـــةُ مِـقْــدَامٍ وَمُنْــتَصِرٍ 

مَا عَادَ يَسْعَـى وَلا يَعْلُو  بِه الجِّدُّ

يُعَشْعِشُ اليَأسُ فـي فِكري وَيَهْزُمُني

وَيَقْطِنُ البُؤسُ في عُمْرِي وَيَشتَدُّ

وَيَحْرِقُ الليـلُ أحْـلَامي وَيُرسِلُها

مَرْسًــى يُخَيِّمُ فــي مِينائهِ الْوَأدُ

فَكَيْفَ أنْسَى وَخَيْبـاتِي تُلاحُقُني

وَأبْصِرُ الضَّوءَ إنْ وَلَّى وَمـا يَغْدُو

وَكَيْـفْ أعْـزِفُ الحَـانًا عَلــى وَتَـرٍ

وَقَـــدْ تَصَحَّـرَ قَلْـبٌ حَوْلَهُ الْحِقْدُ

وَكَيْفَ تَنْضُجُ في رُوْحِي مُقَاوَمَةٌ

وَهُــمْ تَخَلَّـوْا فَــــلا عَمْرٌ وَلا زَيْـدُ

يَا أنْتَ لَوْ جِئْتَ مَا يَرْقَى بِعَاشِقَةٍ

مَعْنًـى يُـوافِــقُ مَـا تَصْبُو لَـهُ دَعْدُ

لَصِـرْتَ فَــارِسَـها والْـعَرْشُ مَـنْزِلُهُ

لكنَّكَ اخْتَرْتَ مـا أوْحَى لَكَ الضِّدُّ

وَاخْتَرْتَ مَـثْلَبَةً أوْدْتْ بِصـاحِـبِها 

حَتَّــــى انْبَرى عَلَنًا مَنْ غرَّهُ الْكَيْدُ

وَمَــنْ تَقَمَّصَ قَـوْلًا لَيْـسَ قَـائِلَهُ

فَكـانَ لا بُـــدَّ أنْ يَقْتَصَّــهُ الْحَـدُّ

لَهْفِـي عَلـى زَمَــنٍ عُشَّاقُـــهُ قُتِلُوا

مِنْ بَعدِ مَا كَتَبُوا (إنَّ الهَوى نَجْدُ)

يَـا أنْتَ لَـولا انْثِيالاتِــي وأسْئِلَتِـي 

لَمـاتَ حُــرٌ وَلَــمْ يُـكْسَرْ بِـه الْقَيْـدُ

وَلَـــمْ يَـــزلْ هُبَـــلٌ رَبًّــــا يُعَلِّـمُهُمْ

أنَّ الرَّذِيــلَةَ مِنْهَـــــــــــاجٌ سَيَمْتَـدُّ

وَأنَّ حَمَّالَـــةً فِــــــي جِيدِهَا مَسَدٌ

تَهْتَزُّ مِـــن مَشْيِها الأَرْدَافُ والنَّـهْدُ                      

فَكَيْــفَ أصْمُتُ والأشْعَارُ أسْلِحَتي 

وَأنْـتَ أدْرَى بأنّــــــــي الثّـائرُ النِّـدُّ

وَأنْـتَ أَدْرَى بأقْلامِـــي وَمِحْبَرَتِـي 

وَما اعْتِقادِي وَتارِيخي وَمَا الْطَّوْدُ

وَمَـــنْ إذا ذَكَــرُوا حُـرًا وَمُفْـتَخِرًا 

تَصَـاغَرَ الْقَــوْمُ إجـلالًا فَـهُمْ جُـرْدُ

أنَا السُّؤالُ الَّـذِي يَبْـقَى يُطَـارِدُهُمْ

أنَا المُـغَرِّدُ لَوْ مَـــــــــا غَرَّدَ الصَّرْدُ

أنَا الجَّـوابُ إذا زَاغَـتْ بَصيـرَتُهُـمْ

فَهَــلْ يُقَــــــالُ لِفَـهْدٍ أيُّـــها الْقِـرْدُ

وَهَلْ يُعَابُ عَلى مَنْ عاشَ مُقْتَدِيًا

بالثَّائرِينَ إذا مَــــــا قِيِـــلَ مُحْتَـدُّ  

يَا سَائلِي هَلْ دُرُوبُ الْحَقِّ مُوْحِشَةٌ

أمْ أنَّ أكْــثَرَهُمْ لِلْحَـــــــــقِّ مُرْتَــدُّ

أنَا الْحَقِـيقَةُ إنْ قَامَتْ وإنْ قَعَدَتْ

فَكَيْفَ تَخْضُعُ يَوْمًا في الْوَغَى أُسْدُ

أنْبِيكَ يَــا أنْتَ فِـي عُمْقِي، بِمَنْقَبَةٍ

مـِــنْ وَحْيـهَا ثَوْرَةُ الأحْـرَارِ تَمْـتَدُّ

فَلَيْتَ أنَّـكَ لَـوْ عَــادَتْ بِـكَ السُّبُلُ

أ تَـرْتَـدِي ثَـــــوْبَ أحْـــرَارٍ وَتَـعْتَدُّ

أمْ أنَّ جِلْبَــابَ عِـزٍّ صَـــــارَ مُهْتَرِئًا 

لا الْرَّقْــعُ يَـرْتِقُـــهُ أوْ يَنْفَــعُ الشَّـدُّ

يَا أنْتَ في دَاخِلي لوْ كُنْتَ مُعْتَدِلًا

عَـلامَ يُسْحَبُ سَـيْفٌ ضَـمَّــهُ غِمْـدُ