واسطة خير | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد 


واسطة خير | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد
واسطة خير | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد



زمان كنت أتعجّب من سلوك بعض المسؤولين، حين يتولّى أحدهم منصباً جديداً يحرص على أن يجري تغييرات في الموظفين ويأتي بآخرين يعرفهم وتربطه بهم صلات "أهل أو معارف أو أصحاب" حتى وإن كانت مؤهلاتهم العلمية دون المستوى، لكن المهم وجود معرفة حقيقية وثقة..

وهذا الأسلوب لا أجده يقتصر فقط على المناصب الكبرى، وإنما في كل الوظائف والمشاريع ابتداءًا من الوزارات إلى البقالات وما دونها، فـ صاحب العمل يفضل أن يختصر الطريق ويأتي بمن يعرفه مسبقاً بدلاً من تجريب الجديد، الذي قد يكون أفضل بكثير، لكن لسان حال يقول: "جِناً تعرفوا.." 


تلك الأساليب في العمل تبدو مزعجة وفيها تحجيم للفرص، لكن مؤخراً أدركت أن هذا الموضوع ليس بجديد وما يحدث من البعض هو سلوك طبيعي، لأن الثقة والصفات الشخصية أولى بالاهتمام من الأوراق الأكاديمية، فماذا أستفيد من دراساته العليا وخبراته وهو يكذب أو يسرق أو يفسد.. 


تذكرت موقفاً حدث في غزوة بدر حينما كان النبي ﷺ جالساً يتلقى الفدية ويطلق الأسرى، رأى عُقد السيدة خديجة وسأل: فداءُ من هذا؟ 

قالوا: هذا فداء أبي العاص بن الربيع "زوج ابنته زينب" فبكى النبيﷺ، وقال: هذا عُقد خديجة! 


ثم نهض ﷺ وقال: أيها الناس إن هذا الرجل ما ذممناه صهراً فهلّا فككتم أسره؟ وهلّا قبلتم أن تردوا إلى زينب عقدها؟

فقالوا: نعم يا رسول الله..

توسَّط إليه النبيﷺ لأنه يعرفه حقّ المعرفة يعرف أصله وأخلاقه، رغم أنه ما يزال على الكفر وقتها، لكن شفع له علم النبيﷺ بحقيقته ومن يكون فعلاً.. وإذا أخذنا بالوقائع فهو مشرك ولا بد له من فدية، لكن افتدته أخلاقه لا "شهاداته" وكلمة حق شهد بها رسول الله ﷺ "أبو زوجته" أمام الملأ، فسامحوه جمعياً واطلقوا سراحه، ثم أعطاه النبيﷺ العُقد ثم قال له: قل لزينب لا تفرطي في عُقد خديجة، وحين وصل إليها كان الأمر بالتفريق بين المسلمة والكافر قد نزل، فسلّمها أمانتها وغادر... 


المهم في الأمر، أن النبي الكريم تعامل في هذا الموقف بعاطفته، لكن لم يظلم أحداً أو يتجنى عليه لأجل صهره وإنما شاورهم في الأمر وقال ما في نفسه فوافقوه وأتموا أمره.. 


أعتقد أنه من المهم جداً خاصة في المناصب العامة معرفة الأخلاق قبل الشهادات، والسؤال الدقيق عن المرشح للمنصب إتقاءًا للشبهات، وأن تتم هذه الإجراءات بصرامة لا يُقبل فيها بأي تدخلات، فالمواصفات الشخصية أولى من الشهادات العلمية..




Share To: