روجيه فغالي.. تجربة بصرية بين الحلم والواقع | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

خارج الجسد.. في عالمٍ يشبه حديث النفس حيث تحلق الروح بأجنحةٍ لا مرئية بعيداً عن القيود المعتادة، حيث تولد المشاعر في ذات المكان الذي تهرب الأفكار منه، يتصارع المنطق واللا منطق، تتعانق الرغبات الدفينة بأحلام اليقظة، وتلتقي المتناقضات على أرضٍ محايدة ينبت من تربتها سحبٌ متشبعة بالدهشة والجنون فتمطر حنيناً إلى الماضي يزهر فناً في أعمال الفنان اللبناني روجيه فغالي..

والتي تحمل معها على الدوام حالةً من التنوع والدمج بين العناصر الفنية أو المعاني أو المواد المستخدمة في تنفيذ هذه الأعمال والتي تحمل في طياتها العديد من الرمزيات الموظفة بذكاء، وتمتاز بكونها بسيطة ومريحة للعين بحيث لا تشتت انتباه المتفرج رغم الغرابة التي قد تبدو عليها، كما أنها انعكاس لإهتمام الفنان بالرسوم التوضيحية، التلوين، الفن التصويري وتقنيات السرد حيث يرسم من خلال (التقنية المختلطة) نظراً لمرونتها وعفويتها التي تخدم موضوعاته المستوحاة من الخيال الممتزج بالفكاهة لتجسيد نظرته للحياة والحقيقة الإجتماعية قدر الإمكان..

ويستمدّ روجيه فغالي الإلهام من التراث والثقافتين اللبنانية والفرنسية التي يطور من خلالها لغته التصويرية عدا عن استفادته في أسفاره المتعددة من خلال جمع الأوراق في أكثر من بلد ليعيد تدويرها في عملٍ فني بتقنية (الكولاج)، والتي يجمع فيها أشكالاً كثيرة يدمج فيها بين القصاصات التي تحمل بعضاً من الخط العربي إلى جانب قطعٍ من الخشب لينتج بها عملاً فنياً جديداً بصفته فنانا ً بصرياً يقوم فيه بالكثير من التجريب والتنويع للحصول على تأثيراتٍ مختلفة، فتشمل الرسم والحفر المائي الذي يتميز بقدرته على نقش مناطق متفاوتة في درجات الألوان تستخدم في نقش الخطوط لإظهار معالم اللوحة، كما تشمل أحياناً التلوين والفن التلصيقي وهو ما يضيف بعداً إضافياً يساهم في إثراء العمل وإبراز التفاصيل والتراكيب الحساسة بسلاسة وتجرد تخلق رابطاً بينه وبين من يراه، خاصةً وأن الموضوعات التي تحاكيها مستوحاة من الطبيعة والحياة اليومية التي لا تخلو من طرافة..

كما نلاحظ تلك الحالة من استحضار الماضي وأرشيف بيروت والمنطقة ودمجه برموز وصور وقصاصات معاصرة في رغبةٍ منه لعودة ثقافة الجمال بكل أبعادها في مختلف نواحي الحياة التي تشمل الشوارع والمباني والطبيعة والناس، والتي يشارك فيها الجيل الصاعد من الأطفال أملاً في خلق واقعٍ مختلف بشخصياتٍ جديدة قادرة على أن تحلم وتؤمن بجدوى الأحلام التي قد تتحول إلى حقيقةٍ تخرج مدننا من تحت الرماد إلى عالمٍ ملون ونقي يتسع للحب والإبتسامات، يمتاز بصفاء أجوائه بعد أن غلب التلوث البيئي على الكثير منها وجعل فناننا يؤمن بثقافة الدمج وإعادة التدوير واحترام كل من يشاركنا الحياة على هذه الأرض، واحترام بيوتنا التي تحتضننا لتكون مدرستنا الأولى والعين التي نرى بصحبتها هذا العالم.. ولذلك تتخذ تجربة روجيه فغالي الفنية منحىً خاصاً ًقد تبدو فيه خارجةً عن المألوف لكن مضمونها يحمل الكثير من الأصالة والدفىء والأماني التي ترفرف في صدورنا جميعاً..