نص وتحليل قصيدة "إلى سيف الدولة" للشاعر هاني ( أبو مصطفى) | بقلم الناقد العراقي/ عماد الدعمي 


نص وتحليل قصيدة "إلى سيف الدولة" للشاعر هاني ( أبو مصطفى) | بقلم الناقد العراقي/ عماد الدعمي

نص وتحليل قصيدة "إلى سيف الدولة" للشاعر هاني ( أبو مصطفى) | بقلم الناقد العراقي/ عماد الدعمي 






عُدْ مرّةً أُخرى إلى أوطاني

وامسِكْ بها يادولةَ الحمداني 

قد لا يعودُ بها سوى فُرسانِها

لم يبقَ في العُمرين من فُرسانِ

ولكي تكونَ على يقينٍ أنهم 

لم يحفظوك فقُل أُريدُ حصاني

ولكي تنامَ ستعتنيك حمامةٌ

وهُناك كان أبو فراس يُعاني

وإذا شككتَ عليك أن ترميْ لهم

كنزاً وسيفاً لاخيارٌ ثاني

وهنا ستنكشفُ الحقيقةُ سيّدي 

وأنا الوحيدُ سيقطعونَ لساني

يا سيفَ دولتِنا الأخير خطابُنا

مُتديِّنٌ وسلوكُنا شيطاني 

نحتاجُ حُكماً واضحاً وقصائداً

قُرأتْ عليك وعازفاً وأغاني

نحتاجُ أن نمشيْ وما من حولِنا

فتنٌ وليس هُناك طائفتانِ

مغلولةٌ فينا الجراحُ فيا تُرى 

هل يُوسُفٌ يأتي بلا إخوانِ

هل رحلةُ الطفلِ الجميلِ وبئرهِ

مخفيّةٌ للآن في القُمصانِ

هل قصّةُ امرأةِ العزيزِ مكيدةٌ

لله درُّكِ يا ابنةَ الرحمنِ

حتى الرياح تُريدُ أن يُرمى لها

سهمٌ يدورُ بها على النسوانِ

واختارتِ الدنيا لنا أمثالَها

لكننا سربٌ من العميانِ

في كُلِّ وقتٍ حُفرةٌ مدروسةٌ

كالنارِ نحنُ بداخلِ النيرانِ

لم نتِّعظْ أبداً فيا أبوابَنا

ماضون في هممٍ بلا بُرهانِ

وأنا كبيرُ التائهين بهكذا 

وطنٍ بحجمِ الكونِ في الدّوَرَانِ

وتعبتُ أتعبني الزمانُ بحاكمٍ

مُتفرعنٍ في شكلهِ القُرآني 

وأكادُ من فرطِ اختلافِ جُنودهِ

المتفقّهين أشقُّ جيبَ كياني

حتى الثقافةُ في

العراقِ أكادُ أقطعُ

أنها مفقودةُ العُنوانِ

كان المثقفُ في فضاءٍ واسعٍ

رجعتْ بهِ الفوضى إلى الجُدرانِ 

وقصيدةُ الشعراءِ كانت دائماً

تزدادُ هيمنةً على السُّلطانِ

كانت مُقدّسةً إذا مرّت على 

جمهورِها سجدوا بكُلِّ مكانِ

الذّوقُ ولّى والمشاعرُ صُودِرتْ

ومكامنُ الأسماعِ دون ضمانِ

عجباً لماذا الدّهرُ لم يفتكْ بنا

يادهرُ أنتَ الفاصلُ الرّوحاني

أطفالُنا اقتسمَ الضياعُ عذابَهم

مابين مُغتصَبٍ وبين مُهانِ

وشيوخُنا قبلَ الصلاةِ تفرّغوا

ربطوا عمائمَهم على الأذقانِ

ماعاد إلا التيهُ يلعبُ بيننا

نحنُ الدُّمى في ذمّةِ الصبيانِ

يا سيفَ دولتِنا القديمَ جديدُنا

للآن تحتَ وصايةِ الرُّهبانِ

وملاذُنا الأعمى دمارٌ شاملٌ

تلك الوجوهُ قبيحةُ الغَلَيانِ

حيثُ استرحنا بعدَ شدّةِ حقبةٍ

عمياء واجَهَنا فمُ الخرسانِ

إن كُنتَ قد قرّرتَ أن تأتيْ على

أملِ الخلاصِ فلا تعُد بهوانِ

واحذرْ من القيدِ الفقيهِ فإنهُ

أفتى بحُرمةِ عودةِ الشُّجعانِ

عُد مرّةً أُخرى ولكن بُعثِرَتْ

أحلامُكَ الأُولى على الجيرانِ

وبدايةُ التطبيعِ أن نتقاسمَ 

الرّؤيا على طرفين يختصمانِ

وهنا محمدُ سوف يرجعُ خاسراً

حربَ التجارةِ يا أبا سُفيانِ

.......................................

اشتغل الشاعر على عدة محاور مهمه في القصيدة أهمها صيغة النداء التي حشّد وزجّ من خلالها ما يريد الوصول إليه كالشكوى والاستعطاف وبيان الحال المزري العاصف بالبلاد ، وعمل على تعزيز ذلك من خلال مقتبسات قرآنية ومصادر تاريخية مهمة ... وكثّف من الصور الشعرية فلا يكاد يخلو بيت واحد من قصيدته من صورة شعرية مدهشة .. وقد انطلق من فضاء دلالي واسع ليزيح عن كاهله عدة ارهاصات من أسئلة ومناجاة وتصوير حالات رابطا ومقارنا الحاضر بالماضي فلم يجد إلا سيف الدولة الحمداني ليكتب له .

ويحسب له عتبة العنوان في القصيدة بمتنها النصي ليصل بالقصيدة إلى مرحلة جمالية من التشكيل والتعبير مع الحفاظ على الإبداع رغم طول القصيدة فهو يملك نفسا شعريا ثابتا وذلك أمر قد يصعب على الشعراء . 

أن التأملات القرائية سواء كانت ذهنية أم بصرية ساعدت على انتاج قصيدة شمولية وذلك حدث من خلال الدهشة من خلال رؤى شعرية جعلت من القصيدة مركزة وللغاية .

عُدْ مرّةً أُخرى إلى أوطاني

وامسِكْ بها يادولةَ الحمداني 

قد لا يعودُ بها سوى فُرسانِها

لم يبقَ في العُمرين من فُرسانِ

ولكي تكونَ على يقينٍ أنهم 

لم يحفظوك فقُل أُريدُ حصاني

الآن تمعن في الصورة التي جسد فيها الحال المزري في الوقت الحاضر حينما يقول للحمداني إذا تيقنت أنهم لم يحفظوك فاطلب حصانك وعد إلى ما كنت عليه..

أن الشاعر الفطن الحذق لابد عليه أن يعقد ميثاقا بينه وبين القارىء لذا يتوجب عليه أن ينتج قصيدة متكاملة من حيث اللفظ والمعنى والتشكيل والصور والإيقاع ووحدة الموضوع وأهم ما يريد أن يصل إليه أن تصل قصيدته إلى شغاف القلوب وأن تعبر عن خلجاته كما هو يريد ويخطط فالشاعر أشبه بالمهندس المعماري  ...

ولكي تنامَ ستعتنيك حمامةٌ

وهُناك كان أبو فراس يُعاني

وإذا شككتَ عليك أن ترميْ لهم

كنزاً وسيفاً لاخيارٌ ثاني

وهنا ستنكشفُ الحقيقةُ سيّدي 

وأنا الوحيدُ سيقطعونَ لساني

يا سيفَ دولتِنا الأخير خطابُنا

مُتديِّنٌ وسلوكُنا شيطاني 

نحتاجُ حُكماً واضحاً وقصائداً

قُرأتْ عليك وعازفاً وأغاني

نحتاجُ أن نمشيْ وما من حولِنا

فتنٌ وليس هُناك طائفتانِ

مغلولةٌ فينا الجراحُ فيا تُرى 

هل يُوسُفٌ يأتي بلا إخوانِ

هل رحلةُ الطفلِ الجميلِ وبئرهِ

مخفيّةٌ للآن في القُمصانِ

هل قصّةُ امرأةِ العزيزِ مكيدةٌ

لله درُّكِ يا ابنةَ الرحمنِ

حتى الرياح تُريدُ أن يُرمى لها

سهمٌ يدورُ بها على النسوانِ

توقفْ على التشبيهات وكيفية توظيفها وربطها بالماضي وعلى التساؤلات التي زج بها وهو يخاطب الحمداني ثم يقارن بين المجريات والأحداث التي تجري في الوقت الحاضر ستجد كيف اشتغل الشاعر بحرفية عالية حرّك فيها المشاعر لانه يصوّر ما يجري بدقة فالخطاب ديني بحت والعمل شيطاني وهذا التسلق من قبل المزيفين قد أظهره وجسده بحرفية فهو يحتاج إلى الكثير يحتاج إلى نبذ الطائفية وإلى شعراء حقيقيين ويحتاج إلى أخوة لا يغدرون ولا يكذبون ..

وهو بذلك يبحث عن (يوتوبيا ) لا يمكن أن تتحقق في وقتنا الحالي . وهذه الدلالات تدل على روح طاهرة وعلى مثالية راح يفتش عنها بقوة فلم يجدها حتى اتعبه ما يحدث من حوله فما كان منه إلا أن يزيح الكاهل الثقيل عليه شعرا .

حينما يُقدم الشاعر نصا عليه أن يعي خطورة النص الذي يقدمه وعليه أن يرتكز على مرجعيات شعرية مهمة من حيث التكثيف اللغوي والرؤى الثاقبة وتكريس الدلالات حتى تصل القصيدة إلى درجة الإقناع عند متلقيها فحالة الأنا الشاعرة يجب أن تكون متوهجة متسلحة بمعيار صدق الاحساس عند الشاعر مبتعدة عن التكلف والضبابية ... وقد وجدت ذلك عند هاني أبو مصطفى راسخا ....

واختارتِ الدنيا لنا أمثالَها

لكننا سربٌ من العميانِ

في كُلِّ وقتٍ حُفرةٌ مدروسةٌ

كالنارِ نحنُ بداخلِ النيرانِ

لم نتِّعظْ أبداً فيا أبوابَنا

ماضون في هممٍ بلا بُرهانِ

وأنا كبيرُ التائهين بهكذا 

وطنٍ بحجمِ الكونِ في الدّوَرَانِ

وتعبتُ أتعبني الزمانُ بحاكمٍ

مُتفرعنٍ في شكلهِ القُرآني 

وأكادُ من فرطِ اختلافِ جُنودهِ

المتفقّهين أشقُّ جيبَ كياني

حتى الثقافةُ في

العراقِ أكادُ أقطعُ

أنها مفقودةُ العُنوانِ

كان المثقفُ في فضاءٍ واسعٍ

رجعتْ بهِ الفوضى إلى الجُدرانِ 

وقصيدةُ الشعراءِ كانت دائماً

تزدادُ هيمنةً على السُّلطانِ

كانت مُقدّسةً إذا مرّت على 

جمهورِها سجدوا بكُلِّ مكانِ

الذّوقُ ولّى والمشاعرُ صُودِرتْ

ومكامنُ الأسماعِ دون ضمانِ

الان تمعن بدقة كيف يُجسد حال الشعر وما يمر به في الوقت الحاضر ليقارن ويشكو للحمداني بعد ما وصل إلى درجةٍ من القناعة بأن كل شيء انقلب رأسا على عقب فلا الشاعر المعاصر يفي بالغرض ولا المتلقي يتلقى كما كان في السابق فالشاعر كان قوة ضاربة بوجه السلطان ..

ثم يصور الحاكم المتفرعن بأسم الدين والقرآن والمثقف المتسلق بأسم الثقافة حتى يتعب ويصل لحالة التوهان في هذه البلاد العجيبة والغربية ... 

هاني أبو مصطفى روح صوفية يعيش جسدا وروحه تطوف بعيدا عن هذا العالم المشحون بالتفاهة لذا تجده معانيا على الدوام ومتحملا المشاق بطريقة لا يفهمها الآخرون فهو ذلك الغريب في وطن لا يروق له مطلقا ما يجري به من منعطفات خطيرة أطاحت بالبنى التحتية للإنسان ..

تسلح الشاعر هاني بشاعرية عالية ازدحمت فيها العواطف المتوهجة التي صوّرت صدق الإحساس الصاخب المضطرب ويعود ذلك إلى نظرته للحياة بطريقة مختلفة عن الآخرين. 

هو فنانٌ متمكن من فن الشعر سهل الأسلوب ومتين السبك ورائع النظم وشعره دقيق جدا وللغاية وفي قصائده نضج فني واشتغالات متعددة ...

عجباً لماذا الدّهرُ لم يفتكْ بنا

يادهرُ أنتَ الفاصلُ الرّوحاني

أطفالُنا اقتسمَ الضياعُ عذابَهم

مابين مُغتصَبٍ وبين مُهانِ

وشيوخُنا قبلَ الصلاةِ تفرّغوا

ربطوا عمائمَهم على الأذقانِ

ماعاد إلا التيهُ يلعبُ بيننا

نحنُ الدُّمى في ذمّةِ الصبيانِ

يا سيفَ دولتِنا القديمَ جديدُنا

للآن تحتَ وصايةِ الرُّهبانِ

وملاذُنا الأعمى دمارٌ شاملٌ

تلك الوجوهُ قبيحةُ الغَلَيانِ

حيثُ استرحنا بعدَ شدّةِ حقبةٍ

عمياء واجَهَنا فمُ الخرسانِ

إن كُنتَ قد قرّرتَ أن تأتيْ على

أملِ الخلاصِ فلا تعُد بهوانِ

واحذرْ من القيدِ الفقيهِ فإنهُ

أفتى بحُرمةِ عودةِ الشُّجعانِ

عُد مرّةً أُخرى ولكن بُعثِرَتْ

أحلامُكَ الأُولى على الجيرانِ

وبدايةُ التطبيعِ أن نتقاسمَ 

الرّؤيا على طرفين يختصمانِ

وهنا محمدُ سوف يرجعُ خاسراً

حربَ التجارةِ يا أبا سُفيانِ

لاحظ كيف يصور الحالات المجتمعية وما آلت إليه الأطفال والشيوخ وكيف يشكو للحمداني ما يجري من حولنا ... 

أبدع هاني في أن يكون لسان حال الآخرين لينقل المأساة بشاعرية عالية وبذات الوقت يؤرخ ما يجري في هذا الزمن وبهذا تحول الشاعر إلى مؤرخ بارع ..

(نحن الدمى في ذمة الصبيان )... صيحة واستنهاض للهمم وشحذها بطريقة تستفز الآخرين وتلك براعة الشاعر للتأثير على الآخرين.. 

ثم يذهب ليحذر الحمداني من العودة فالفقيه يحرم وجود الشجعان وأهل الحق ..

تجسيد رائع لحال مؤلم وللغاية ووجع شاعري يعيشه الشاعر ولم يجد إلا زفرات الشعر ليبوح بها ...

ختم القصيدة بمعادلة رائعة حقا بعد تجسيد رائع قارن فيه بين النبي ص وأبي سفيان ...

وهي إشارة إلى تسلط الشر بكل زمان ومكان

أبو مصطفى هاني  شاعر مهم وللغاية ...






Share To: