القراءة تَصْنع الوجودَ الإنسانِى وتؤسِّس الحضارات وتبني الدُّول | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


القراءة تَصْنع الوجودَ الإنسانِى وتؤسِّس الحضارات وتبني الدُّول | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
القراءة تَصْنع الوجودَ الإنسانِى وتؤسِّس الحضارات وتبني الدُّول | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 

 


القراءة هي مُفتاح العقول وهي أساس تكوين المعرفة التي تفتح آفاق العلم والابتكار والتقدم، التي من شأنها أن تُسهّل حياة الناس، وترفع من مكانتهم.

وهى وسيلة فاعلة للتعامل الحكيم مع مختلف الأزمات والمواقف، كما أنّها دليل ملموس على سعي المجتمع ومثابرته لمواجهة أي صعوبات ومعوقات .


ونحن أمة اقرأ، أمة القرآن والعلم، أمّة أسس دينها على القراءة والبحث والاكتشاف .


أمّة اقترن عملها بالعلم فلا تجد آية فيها أمرٌ بالعمل إلا وكان العلم قبلها .


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ


ولهذا نجد أن أول آية فى القرآن الكريم كانت :


اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ [العلق: 1]


بهذه الكلمات الربَّانية النورانية أُعلِنَ ميلاد الإسلام، وأعلن معه ميلاد العلم بجناحيه القلم والقراءة.


تلك كانت أول آية أنزلها الله سبحانه وتعالى على النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وهي وإن دلَّت على شيء فإنما تدلُّ على أهمية القراءة باعتبارها إحدى أدوات بناء الأمم وتقدُّم الشعوب .

فالقراءة وسيلة التقدُّم والرقيِّ والمعرفة والازدهار، ولا يمكن أن يتصوَّر تقدُّم أمة ما دون أن تكون قارئةً ومطلعةً على ما يدور حولها .


والقراءة هي أهم وسائل التعليم في حياة أي إنسان، والتي يستطيع الإنسان من خلالها أن يَكتسب مزيدًا من الأفكار والرُّؤى والمعارف والعلوم التي تُفيده في سائر مجالات الحياة، ومن خلالها يتمكن الإنسان من تطوير ذاته والوصول إلى آفاق جديدة ربما كان لا يَستطيع الوصول إليها قبل ذلك.


والقراءة كانت على مرِّ العصور وستظل أفضل أدوات تناقل المعرفة بين العقول البشرية المختلفة باعتبارها الصفة المميِّزة للشعوب المتقدمة .

 

إن القراء في عصرنا الحديث قد أصبح لها أهمية كبيرة ؛ وذلك لأنها أصبحت جزءًا رئيسياً في حياة كل إنسان، فلا سبيل للإبداع أو للابتكار أو الوصول إلى الاختراعات صغيرة كانت أو كبيرة إلا من خلال القراءة.


فإذا أمعنّا النظر حولنا سنعلم علم اليقين أن القراءة إنما هي جزء أساسي ومكمِّل لحياة الفرد العملية والشخصية وكافة مجالات الحياة، فضلاً عن أنها بمثابة المدخل الرئيس لكافة أبواب المعارف والعلوم المتنوِّعة .


إنَّ توجيه الفرد إلى القراءة يُمكن أن يوفر لنا جيلاً من القارئين الذين يتمتعون بالمعرفة الصحيحة بما يؤدي إلى النهوض الحضاري، كما أنَّ الطفل الصغير عندما ينشأ على حب القراءة، فسوف يكون إيجابيًّا في أسرته ومجتمعه، وسوف يُصبح عنصرَ خير في بيئته؛ لذلك فإنَّ مؤسساتِنا التعليمية ووسائل الإعلام ينبغي أنْ تُشجع القراءة.


وأجمل القراءات ما كان غايتها استرضاء الله عزَّ وجلَّ إذ إنَّها تضبط السلوك الإنساني، وتحث على أداء الحقوق والواجبات، وتمنع الفوضى والسلبية والخيانة والظلم والفوضى.


فالقراءة قوام الشخصية السويَّة، والعقلية الإبداعية، وما من أحد يستغني عنها.

فالقراءة تزيل الغشاوات التي تُحيط بالعقول، كما أنَّها تصلح الدنيا والدين وتدفعه إلى الاتزان والاعتدال.


والقراءة تَصْنع الوجودَ الإنسانِيَّ الرشيد وتؤسِّس الحضارات وتبني الدُّول والممالك المُزدَهرة وتَرتقي بحياة الإنسان نحو مدارجِ الكمال والجمال.

بالقراءة تتميَّز الشُّعوب والأمم في مِضمار الرُّقي والقوة والنَّهضة وحياة العِزَّة وعِزَّة الحياة فالشُّعوب القارئة لا تُستغفل ولا يُستهان بإرادتِها، ولا يُستخَفُّ بعُقولها، ولا تَسمح بانتشار الفَساد والاستِبْداد ؛ والأمم القارئة تَسلك طريق النُّهوض وتأخذ بأسباب القوَّة والنَّصر ، فتحتمي بثوابتها الأخلاقيَّة وتعتصم بعقيدتها الدِّينية، وتبشِّر بالحق والعَدْل والحرية، وتسعى لتقوية حصونِها من الدَّاخل بالأُسرة القوية، والمجتمع المتراحم المتماسِك.


وأخيراً :

القراءة هي مفتاح التعلُّم والرُّقي وسبيل القوة والتقدُّم والازْدِهار ولذا نَهض المسلمون وسادوا العالَم وأسَّسوا حضارة العلم والإيمان انطلاقًا مِن قوله تعالى: 

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]

قراءةً تؤسِّس لنهضةِ حضارةٍ ربَّانية، عمادها العلم والإيمان، وتحلق نحو الرُّقي الإنساني الحقِّ .

والأهم من هذا كله، أن القراءة مطلب شرعي رباني ومفتاح تلاوة القرآن الكريم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة التفسير والفقه واللغة والعقيدة وغيرها من العلوم الشرعية والنافعة، وكيف لا والذي يقرأ كتاب الله ويجوِّده ويحفظه ويتقن ذلك كله هو الأجدر والأحقُّ بإمامة الناس والصلاة بهم.


كما جاء عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلمهم بالسنَّة، فإن كانوا في السنَّة سواءً، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواءً، فأقدمهم سنًّا، ولا يؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرِمَتِه إلا بإذنه. رواه مسلم


إن القراءة هي الحياة ذاتها، بل هي مِقْودُ الحياة وقائدها، بل هي الجسر الموصل إلى جنات النعيم في الآخرة وهى واجب فكري وحضاري، لا عذرَ لأحد في إهماله أو التخلِّي عنه، ومن يفعل هذا فقد حكم على نفسه أن يعيش في الحضيضِ، وأن يحجب عن عقله الوقود الأساسي ألا وهو ضياءُ المعرفة.



Share To: