شمس رمضان قد أوشكت على الغروب | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


شمس رمضان قد أوشكت على الغروب | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
شمس رمضان قد أوشكت على الغروب | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 

 



قال تعالى : 


{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}


ها هي شمس رمضان قد أوشكت على الغروب، فما أجمل ختام هذا الشهر المبارك بالتوبة والاستغفار وسؤال الله تعالى القبول وشكره سبحانه على تيسيره وإعانته وتوفيقه، فإن العبد لا حول له ولا قوة إلا بالله، كما أنه ينفك عن نقص وتقصير، وإننا وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صلَّينا، وقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ». متفق عليه.


وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم أحصها عَلَيْكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه». رَوَاهُ مُسلم.


وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: 


وَالِاعْتِبَارُ فِي الْفَضَائِلِ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَةِ. 


 منهاج السنة.


وقال ابن الجوزي رحمه الله فى التبصرة :


 وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الاجْتِهَادُ فِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ أَكْثَرَ من أوله لشيئين: 


أحدهما لشرف هذا الْعَشْرِ وَطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ.   


وَالثَّانِي: لِوَدَاعِ شَهْرٍ لا يَدْرِي هَلْ يَلْقَى مِثْلَهُ أَمْ لا. 



بعد أيام قليلة ينقضي هذا الشهر المبارك، سوق قام وانفض، ربح فيه من ربح، وغُبن فيه من غُبن؛ ولكن هناك رسالة للعاملين والمجتهدين، وكذا للمقصرين، والمفرطين:


عَن سهل بن سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ. 


متفق عليه


 وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه 


وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ». متفق عليه.


على المسلم أن يعمل .


عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لاَ، وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ" رواه البخاري


وعَن أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. 


عباد الله استنقذوا أنفسكم قبل فوات الأوان، فإن الأزمان تمضي، والأعمار تنقضي.


روى ابن أبي الدنيا في كتاب الزهد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا أَطْوَلَ النَّبِيِّينَ عُمْرًا كَيْفَ وَجَدْتَ الدُّنْيَا وَلَذَّتَهَا؟ قَالَ: «كَرَجُلٍ دَخَلَ بَيْتًا لَهُ بَابَانِ، فَقَامَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ هُنَيَّةً، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ».

ونحن مهما بلغت سنون وأعوام حياتنا فإنها قصيرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِتِّينَ إِلَى السَبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه 


فلا حيلة إلا بإحسان العمل، والتوبة والاستغفار من التقصير والذلل، لا سيما وقد خفي علينا الأجل، والعبرة بالخواتيم وحسن العمل .


وخير الناس هم أهل اغتنام الأعمار في طاعة ربهم سبحانه، فعَن أبي بكرةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ قَالَ: «مَن طالَ عمُرُه وحسُنَ عَمَلُهُ» . قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ


فهنيئًا لمن طالت أعمارهم في طاعة ربهم ، فهم الأخيار بنص قول النبي عليه الصلاة والسلام؛ والعكس بالعكس لمن طالت أعمارهم وساءت أعمالكم -عياذًا بالله- .


فعلى من أطال الله بقاءه، وبسط له في عمره أن يحسن العمل، ولا ينتهج الخمول والكسل، فإنه لا يدري بمَ يختم له، والأعمال بالخواتيم كما أخبر سيد المرسلين.


وعلى من فرط أن يبادر بالعودة، ويقدم بين يدي رجوعه التوبة، وأن يصلح من طاعته وعمله، ويحسن فيما بقي من أجله.




Share To: