اجتماعي منعزل! | بقلم الأديبة المصرية نجلاء محجوب
اجتماعي منعزل! | بقلم الأديبة المصرية نجلاء محجوب |
فوائد الانعزال وأضراره
أثّرَت ضغوطُ الحياة بالسلبِ، على ثباتِ سِمات الشخصيةِ بالتَصنيفِ المُعتادِ لكُلِّ شخصيةٍ، فأصبَح الشَخصُ، يجمَع بينَ شَخصيتين غيرَ مُتشابِهتَين، بعيدَتينَ حَدَّ التناقُضِ، وَ غالِبيتنا،
أصبحَ هذا الشَخص، الإجتماعي المُنعَزِل، فهذه الشخصية
مَزيجٌ مِن الإجتماعية، و الانطوائية مَعًا، وَ الحياةُ هي التي دَفَعته ليكونَ مُتناقِضًا هكذا، فهو في الأصلِ شخصية إجتماعية، مُحِبة للآخرين، وَدُودٌ، لديه فيضًا من المشاعر، يشارِك الآخرين في أفراحِهم و في أحزانِهم، لكنه فجأةً، يجِد نفسَه يميلُ إلى الانطِواء، و يستمتِع بالهدوءِ، و هو وحيدٌ، فيبتَعِد عن المُجامَلاتِ، و يجدب فَيضَ وِدَّه..! بهروبٍ مؤقتٍ نحو الانعِزال، و ذلك للتَحرُرِ من ضغوطِ الحياةِ التي أثقَلته.
وَ من قيودِ المسئوليةِ، المُلقاة على عاتِقه، وَ من تزاحُمِ الأفكار، وضجيجها، وَ من زَحفِ التفكير السَلبي حَدَّ الإقتراب، وَ قد يكونُ هُروبَ الانعِزال، رَدًا عن تصرفات ألَمَته، وَ لم يستَطِع الرد..! فَآثر الصَمتَ. فكانَ لذلك تَأْثِيرٌ سيئٌ، علي حالَته النفسية، فَوُجِدَ ضرورةَ، أن يكونَ هناكَ إستِراحةٌ مؤقتةٌ،
يختَلي فيها بنفسِه، وَ يستمتِعُ بالهدوءِ في وِحدَتِه، بَعِيدًا عن الآخرينَ، يستمتِع بِذِهْنٍ خالٍ، مِن أى تفكيرٍ مُرهِقٍ، يسبِب له توترًا،
وينقطع إلى الانعزال لينعم بهدوء مؤقت، بَعِيدًا عن اللِّهاثِ وراءَ الحياةِ، وَ إحساسه بالهدوءِ؛ يجعل الجانِبَ الإيجابي يستَعيدُ نفسَه،ثمّ يعودُ اجتِماعيًا، بمعنَوياتٍ عاليةٍ، وَ بسلامٍ نفسي، لم يشعُر به من قبل، قادرٌ على مواجَهَة الحياةِ..
والعزلةُ الإجتماعيةُ قد تشيرُ إلىٰ الغيابِ التامِ،
أو شِبه التامِ للتواصلِ مع المجتمعِ، ففي حالةِ الغيابِ التامِ، غالبًا لا يوجَدُ لدىٰ هؤلاءِ المُنعزلينَ اجتِماعيًا من يلجأونَ إليه، ولا يوجَدُ أحَدٌ يثقونَ فيه، فَهُم مُكتفونَ بذواتِهم، ويحتملُ أن ينشأ هذا الانعزالَ عن مشاعرِ الوحدةِ والخوفِ من الآخرينَ، أو انخفاضِ تقديرِ الذاتِ، أي التقديرِ السلبي للذاتِ، ويُسهِمُ الحزنُ أيضًا في الشعورِ بالعزلةِ الإجتماعيةِ، ويمكنُ أن تحدُثَ العزلةُ الإجتماعيةُ لأي شخصٍ مَهما كان سِنّه، فقَد تظهرَ علىٰ كلِّ فئةٍ عمريةٍ، وحدوثَها غالبًا ما يكونُ علىٰ فتراتٍ، تتخللُها العودةُ للاندماجِ في المجتمعِ..
ومن فوائدِ العزلةِ أنّها قد تكونُ الطريقَ لاكتشافِ الذاتِ وإعادةِ تشكيلها، وهو ما يُسمىٰ بـ «اللحظات الوجودية» "existentializing moments" الًتي تحدّثَ عنها "فونغ"، وهي وَمضاتٌ عقليةٌ من وضوحِ الرؤيةِ، مُستلهِمُها من نظريةِ «الاستِسلامِ والاغتنامِ» لعالِمِ الإجتماعِ الألماني/ الأمريكي "كورت وولف"،
أو نظريةُ إدراكِ الذاتِ..
وعلىٰ الرغمِ مِن أنّ العديدَ من كِبارِ المُفكرينَ تحدّثوا عن الفوائدِ الفكريةِ والروحيةِ للعزلةِ وهُم:
"لا تزو" و"نيتشه" و"ايمرسون" و"ولف"،
إلا أنّ الكثيرَ من المُعاصرينَ ينصحونَ بتجَنُبِها، وخصوصًا إذا كانت لفتراتٍ طويلةٍ..
يقولُ "كينيث روبين" وهو طبيبٌ نفسي في جامعةِ "ميريلاند":
«تكونُ العزلةُ مثمرةً إذا كانت طوعيةً، وإذا كان المرءُ يستطيعُ تنظيمَ مشاعِرِه بصورةٍ فعالةٍ، وأنّه يستطيعُ الانضمامَ إليٰ مجموعةٍ وقتَما يريدُ، وغيرَ ذلك تصبحُ العزلةُ ضارةً..»
لذلك، تكونُ العزلةُ مفيدةً وتساعدُ علىٰ اكتِشافِ الذاتِ وإعادةِ تشكيلها إذا كانت لفتراتٍ ليسَت طويلةً، أمّا إذا كانت لفتراتٍ طويلةٍ فقد تكونُ لها أخطارُ صحيةٌ..
فقد أثبتَت دراساتُ حديثةُ أنّ الوحدةَ أسوأ من التدخينِ، وهذا ما أكده الدكتور "ديفيد روبنسون" الاستشاري في مستشفى "سانت جميس" في مدينة "دبلن" بـ "أيرلندا"، وكذلك ربطَ الوحدةَ بالاكتئابِ، فقالَ إنّ الوحدةَ تعادلُ تدخينَ خمسةَ عشرَ سيجارةٍ يوميًا..
وكشَفَت دراسةٌ حديثةٌ نُشِرت في مجلةِ "إجنيغ" (Aging) في سبتمبر 2022 أنّ الوحدةَ تعجِلُ بالشيخوخةِ..
كذلك قالَ "دوجلاس نيميسك" كبيرُ المسؤولينَ الطبيينَ للصحةِ السلوكيةِ في سيجنا:
«أنّ الوحدةَ تنافِسُ السمنةَ، وتأثيرُها علىٰ معدلِ الوفياتِ مثل التدخينِ».»
ومِن هُنا وَجَدَ ضرورةً للبحثِ عن طُرقٍ للتَغلبِ علىٰ العزلةِ لفتراتٍ طويلةٍ، والانطواءِ، ومن الطرقِ التي قَد تساعِدَ المنعزلونَ علىٰ التغلبِ علىٰ الميلِ للعزلةِ:
- التعرّفَ علىٰ أصدقاءٍ جُددٍ،
- ممارسةَ رياضةٍ جماعيةٍ،
- تقديمَ خدماتٍ مجتمعيةٍ، كزيارةِ بيوتِ المُسنينَ، ودورِ رعايةِ الأطفالِ، والملاجئ،
-وضعَ أهدافٍ وخططٍ لتجاوزِ المُشكلاتِ ومواجَهتِها،
-والإكثارَ مِن المُطالعةِ والمعرفةِ، فهذا يزيدُ مِن الثقةِ بالنفسِ، وبالتالي القدرةَ علىٰ التواصُلِ مع الآخرينَ..
نجلاء محجوب
Post A Comment: