مكسور الجناح : أنا الحارس الليلي| بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير


مكسور الجناح : أنا الحارس الليلي| بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير
مكسور الجناح : أنا الحارس الليلي| بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير



جلس فوق صخرة متأملا البحر في فترة هدوئه ، فلفت نظره قارب صغير  عند منتهى حد بصره ، و شمس لم يعد يظهر منها سوى منتهاها و أشعة بلون ذهبي تكاد تغرق في ماء البحر ، في تلك اللحظات أسراب من الطيور بأعداد كبيرة تحاول مغادرة المكان محلقة و هي تهندس لتحليقها بأشكال جمالية تأسر عينيك و تجعلك ترى أشكالا هندسية كأن فنانا أعدها ليشاهدها المتلقي ، و أنا أتأمل كل هذا غصت بخيالي قعر البحر ، فإذا بي أرى كل الحيتان و المخلوقات تأخذ مكانها للراحة ، هكذا هو حال كل المخلوقات الليل سكن لها . 

في هذه اللحظة بالذات ظهر بجانبي مخلوق بشري يحمل صفة إنسان مثلي ، بدوره يعشق البحر و لحظة غروب الشمس و ما يرافقها من أحداث ذكرت لكم بعضها ، فدار بيننا حوار تعارف ، فعلمت منه أنه يعمل حارسا ليليا بإقامة محروسة ، و لم يعرف عملا آخر في حياته سوى هذه المهنة ، و مجيئه للبحر في هذا الوقت هو مقصود به استعداد  لقضاء ليل بتنوع فصوله خريف و شتاء و ربيع و صيف تختلف درجات حرارته و برودته و رطوبته، يعتبر حضوره هو شحن  لنفسيته بطاقة ايجابية ، فسألته كيف استطاع أن يتأقلم مع هذا الوضع النشز ؟ فأخبرني في البداية أنه وجد صعوبة و لكنه اعتاد و حاول ان يتأقلم معه ، فسألته أيضا فكيف  يتصرف مع أسرته الصغيرة و الكبيرة ؟ فأجاب هم بدورهم اندمجوا و قبلوا بوضعي ، فسألته مرة ثالثة : هل انت سعيد بهذا الوضع النشز ؟ أجاب : لا ، و لكن أخوك مضطر لا بطل ، فسألته عن بعض معاناته التي عاشها و هو يمارس مهنته هاته ؟ الحارس الليلي هو إنسان يمتهن مهنة يصعب على كثير من البشر ممارستها لما يحفها من إهانات و مخاطر ، كم من حارس ليلي أصيب بعاهة مستديمة و هو يمارس مهنته ليلا من طرف لصوص محترفين ، و منهم من مات غدرا ، أضف إلى ذلك الاهانات اليومية من طرف بعض السكان كبارا و صغارا ، لا حق له في التغيب بسبب مرض أو طارئ يحدث له ، كثير منا لا عطلة سنوية له بمعنى لا حق له في السفر ، كم من بيت سرق أو ملابس من فوق السطوح فنجرجر في أقسام الشرطة و يكون اللص من بين شباب منحرفين من ساكنة الإقامة ، و الأصعب و هو اننا لسنا مشمولين لا بتغطية صحية و لا ضمان اجتماعي و لا سن لنا للتقاعد ، نحن فئة مهمشة نعيش مكسوري الأجنحة ، لا الدولة و لا الحكومة و لا المجتمع المدني و لا المنظمات الحقوقية بجميع تلاوينها تهتم بقضيتنا ، كم ليلة قضيتها كما هو حال غيري ممن يمارسون الحراسة محموما و مريضا و جائعا و مهموما ، لا أحد يفكر فينا نعيش الضياع ، نعيش البؤس ، و لا خيار لنا … ،

بعد كل ما دار بيننا لم يعد ما جئت من أجله يغريني ، لا الغروب و لا أمواج البحر و لا الطيور و لا الحيتان تبعث في نفسي طمأنينة بعد كل ما سمعت من آهات ، الحجر و البشر و الطير و الحيتان و كل المخلوقات تنام ليلا " و جعلنا الليل سكنا " الاية و صنف من البشر محروم من هذه النعمة و محروم من الآدمية و العيش الكريم و الأمن و الأمان مستقبل مظلم و آمال  أقبرت بأي ذنب كسرت أجنحتهم ، هي صرخة أعلنها بصوت مرتفع : كفى ظلما ، فلسان حال صديقي يقول نريد عدلا ، نريد إنصافا ، نريد حقا مهضوما ، نريد التفاتة تشفي بعضا من آلامنا و جراحاتنا … 

ذ شكيب مصبير



Share To: