حكم تعزية من مات له حيوان | بقلم دكتورة روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
عشت جزءًا من حياتي في الريف، حيث كانت الحيوانات كالماشية والأغنام والجاموس جزءًا من حياة الناس اليومية، كان فقدان أحد هذه الحيوانات يؤثر بشكل كبير على أهل البيت، سواء من الناحية النفسية بسبب العلاقة التي تنشأ بين الإنسان وحيوانه الأليف، أو من الناحية الاقتصادية بسبب الاعتماد على منتجاته كالحليب، خاصة في وجود أطفال بالمنزل. لاحظت أن الجيران والأقارب كانوا يزورون أهل البيت عند فقدان أحد الحيوانات ويواسونهم، ويدعون الله أن يعوضهم خيرًا.
هذا السلوك ليس غريبًا حتى عند وفاة الحيوانات التي لا تؤكل، مثل القطط والكلاب، حيث يقتني بعض الناس هذه الحيوانات لأغراض الاستئناس أو الفائدة. ورغم الخلاف بين العلماء حول حكم اقتناء الكلب، إلا أن المالكية وغيرهم أقروا بطهارة الكلب، باستثناء لعابه لورود نص شرعي بذلك، كما اعتبره بعضهم ضارًا وليس نجسًا.
في الإسلام، الرحمة بالحيوان أمر مؤكد، وقد وردت أحاديث صحيحه عن دخول امرأة النار بسبب قطة حبستها، وعن رجل دخل الجنة لأنه سقى كلبًا عطشانًا. بناءً على ذلك، لا يوجد مانع شرعي من تعزية من فقد حيوانه الأليف والدعاء له بأن يعوضه الله خيرًا. ومع ذلك، لم يرد دعاء للحيوان المتوفى، لأن الحيوانات تبقى في البرزخ حتى يوم القيامة، ثم تتحول إلى تراب بعد القصاص بينها.
وفي الجنة، يمكن للمؤمن أن يطلب أي شيء يشتهيه، بما في ذلك أن يكون معه حيوانه الأليف، استنادًا إلى قوله تعالى: "وَلَهُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُهُمْ وَلَهُمْ فِيهَا مَا يَدَّعُونَ" [فصلت: 31].
إن الرفق بالحيوان من الأخلاق العظيمة التي حث عليها الإسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: "في كل كبدٍ رطبةٍ أجرٌ"، مما يدل على عظمة الأجر في الرحمة بكل مخلوق. وقد ضرب لنا رسولنا الكريم أروع الأمثلة في الرفق، كما في حديثه مع أبي عمير حين مات عصفوره، حيث واساه بقوله: "يا أبا عمير، ما فعل النغير؟".
إن هذه الأمثلة تدل على أن الإسلام دين رحمة ورفق، لا يقتصر فقط على التعامل مع البشر، بل يتعدى ذلك إلى المخلوقات الأخرى، مما يؤكد على أهمية الرفق في كل جوانب حياتنا، سواء مع الإنسان أو الحيوان. والله تعالى أعلى وأعلم
Post A Comment: