حكم التدخين في نهار رمضان | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش 


حكم التدخين في نهار رمضان | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش
حكم التدخين في نهار رمضان | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش



سؤال يطرحه البعض عن حكم التدخين في نهار رمضان ، وهل هو من المفطرات أم لا ، 

نقول وبالله التوفيق والسداد : 

أولا : ننظر إلى التدخين بشتى صورة سجائر أو شيشه أو غير ذلك مما يعرفه أربابه ، هل هو من الطيبات التي يترتب على تناولها فائدة صحية للجسد أم من الخبائث ؟  والإجابة في ظل المعطيات الطبية الموثوقة أن التدخين من الخبائث ( وَيُحَرِّمُ عَلِيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) ( الأعراف : 157 ) والدخان خبيث فيكون حراما ، وقوْله ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) ( النساء : 29 ) ، ولا أدل على ذلك من أن منظمة الصحة العالمية ألزمت الشركات المصنعة للسجائر أن تكتب عليها ( ضار جدا بالصحة ) ، لأنه يترتب على تناوله مضار صحية مثل سرطان اللثة والرئة ، فضلا عن مساهمته في أمراض الصدر المختلفة ، بل وأمراض القلب والشرايين مما هو لا يخفى على أحد اليوم ، بل قد يتعدى الضرر إلى المحيطين به ، وكذلك يتعدى أثره للحمل إن كانت الأم  تتناوله ، وبناء على ذلك يُصبح التدخين ممنوع شرعاً عند الفقهاء الأربعة لدفع الضرر المترتب على تناوله لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " ابن ماجه بإسناد صحيح ، وهذا يحقق مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية وهو حفظ النفس والمال ، ( وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) ( الإسراء : 26 ،ومن أجازه منهم رحمهم الله تعالى لم يظهر له ضرره في وقته لضعف المعطيات الطبية في حينها ، ومحدودية صور التدخين بخلاف اليوم ، وبما أن قاعدة إزالة الضرر متفق عليها ، وقد ثبت طبيا ضرر التدخين يُصبح حكمه التحريم عند الجميع  . 

ثانيا: هل التدخين يدخل في حد الطعام والشراب المفطر في نهار رمضان لمن تناوله ؟ أقول نعم ، والعلة في ذلك أن الصوم في اصطلاح الفقهاء معناه : الامساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، والتدخين يدخل في شهوة البطن ، لأننا نجد أن من يعتادون على تناوله قد يستغنون عن الطعام والشراب ولا يستغنون عنه ، إذن هو يحقق لهم طاقة وقوة ومطلب بدني ونفسي وإن كان متوهما ، بل نجد منهم من يصبر على الجوع ولايصبر على دخان السيجار . 

ثالثا : إذا كانت الطيبات ممنوعة عن الصائم في نهار رمضان فمن باب أولى الخبائث ولا عبرة بقول من يقول أنه مجرد هواء يدخل ويخرج ، بل دخان له جُرم يحمل أثر المادة المصنع منها الدخان طعما ورائحة .

رابعاً : أجمع الفقهاء رحمهم الله تعالى على أن الصائم إذا دخل الدخان بنفسه بلا تعمد حتى وإن كان ذاكرا للصوم لم يفطر ، كأن يكون الصائم جالسا بجوار من يُدخن ووصل الدخان إليه رغما عنه فلا يُفطر ؛ لأنه يصعب الاحتراز منه  .

خامسا  : ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن من تعمد إدخال دخان إلى حلقه بأي صورة كان الإدخال حتى ولو تبخر ببخور وأدناه من نفسه واشتمه عمدا ذاكرا لصومه بطل صومه ؛ حيث ورد عنهم " من ابتلع الدخان قصداً فسد صومه " لأنه يمكنه التحرز والابتعاد عنه ، أما من وصل إلى أنفه دون تعمد فلايبطل الصوم إجماعاً لصعوبة الاحتراز منه ، أما الشافعية فلا يبطلون الصوم بشم رائحة البخور عمد، إلا إذا وصل الأثر إلى الحلق كالطعم ، ومعلوم أن البخور من الطيبات كشم الورد والرياحين وهو عندهم ليس له جرم يدخل للحلق بل مجرد هواء ، لذا لم يبطلون الصوم به وإن كان يُكره عندهم ، أما شُرب السجائر والشيشة فلا تدخل في المعنى الذي ذكره الشافعية لأن دخان السجائر والشيشة يحتوي على جُرم لمادة التبغ وفي تناولها عن طريق النفس يجد الشارب لها طعما في الحلق ، كما أنها تدخل إلى الجسد وتؤثر فيه بدليل تغير مزاج الشارب بعد الشرب عن قبله ، وبالتالي يصبح شرب السجائر مفطراُ عند الفقهاء الأربعة . 

سادسا : قال صل الله عليه وسلم في الوضوء : " بالغ في الوضوء مالم تكن صائما " الترمذي بإسناد صحيح ، فإذا كانت سنة المضمضة والاستنشاق يُكره المبالغة فيها في الصيام خوفا من وصول الماء إلى الحلق ، فمن باب أولى منع التدخين مع خباثته الذي يتعمد الشارب في نهار رمضان إدخاله إلى جوفه ، وإلا أفسد صومه . 

سابعا : لكل عبادة مظهر يميزها ظاهرا وباطنا ، ومن مظاهر عبادة الصوم ظاهرا الامتناع شهوتي البطن والفرج ، ومن مظاهرها باطنا الخشوع والخضوع لله تعالى ، والتدخين يناقض ذلك كله ظاهرا وباطنا، فمن أمحل المُحال أن يحكم حتى طفل على مُدخن في نهار رمضان بأنه صائم.

ثامناُ  :  كيف نجمع بين عبادة تقوم في الأساس على صحة البدن بقوله صلى الله عليه وسلم ( صوموا تصحوا ) رجاله ثقات ، وفي المقابل نُبيح التدخين فيها وهو عين الضرر ، فهذا تضارب وتضاد تتنزه عنه شريعة الإسلام . 

ويتأكد بطلان الصوم بالتدخين بما قاله الشرنبلالي رحمه الله تعالى في حاشية رد المحتار : " هذا مما يغفل عنه كثير من الناس فليُنتبه له ، ولا يُتوهم أنه كشم الورد والمسك ، لوضوح الفرق بين هواء تطيب بالمسك وشبهه ، وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله " 

وأخيرًا، التدخين في نهار رمضان حرام شرعًا ومفسد للصوم، وهو عادة ضارة تتنافى مع مقاصد الصيام، وعلى المسلم اغتنام شهر رمضان فرصةً للإقلاع عنه، حفاظًا على صحته ودينه. 

والله تعالى أعلى وأعلم .



Share To: