دليل تصحيح أخطاء المحرم في الطواف بالبيت | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


دليل تصحيح أخطاء المحرم في الطواف بالبيت | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
دليل تصحيح أخطاء المحرم في الطواف بالبيت | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


طواف بالكعبة المشرفة هو من أعظم شعائر الحج وأحد أركانه الأساسية، وهو عبادة جسدية وروحية يتجلى فيها التوحيد، إذ يطوف الحاج بقلبه وجسده حول بيت الله، مستشعرًا عظمة المقصود، خاشعًا في ذكره ودعائه. وقد بيّن النبي ﷺ أجر الطواف، فقال: " مَن طاف بِهَذا البيتِ أسبوعًا يُحصيهِ، فيُصلِّي رَكْعتينِ كانَ كعِتقِ رقَبةٍ، وما وضَعَ رجلٌ قدمًا، ولا رفَعها ؛ إلَّا كتبَ اللَّهُ لهُ بِها حسَنةً، ومحا عنه بها سيِّئةً، ورفع لهُ بِها درجةً" الترمذي بإسناد صحيح .ولعظم مكانته، وجب أداء هذا الركن على أكمل وجه، وتجنب الأخطاء التي تخل بصحته أو تَنقُص أجره، وهو ما نبينه في النقاط التالية.

1- الخطأ: أن يصلي الحاج ركعتين تحية المسجد عند دخوله إلى المسجد الحرام، كما يفعل في بقية المساجد.

الصواب: تحية المسجد الحرام هي الطواف بالكعبة، وليس الصلاة؛ وذلك لقول النبي ﷺ: " إذا رأيتُم هذا البيتَ فكبِّروا ثلاثًا، ثم لِيَقُلْ: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحيِّنا ربنا بالسلام» [رواه الطبراني]. ولأن الطواف هو عبادة مخصوصة بهذا المسجد الشريف، فتكون تحيته به، بخلاف سائر المساجد التي تكون تحيتها بالصلاة.

2- الخطأ: اعتقاد بعض الحجاج أنَّ الملتزَم هو باب الكعبة.

الصواب:الملتزَم هو المسافة التي بين الحجر الأسود وباب الكعبة، ويقع فوق الشاذروان (الجزء البارز من جدار الكعبة السفلي) ، ويُسنّ الدعاء فيه، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:"الملتزَم ما بين الركن والباب، لا يسأل الله أحد شيئًا عنده إلا أعطاه إياه" البيهقي بإسناد صحيح . 

3- الخطأ: الاعتقاد الجازم بفساد الطواف دون طهارة، دون مراعاة خلاف العلماء في المسألة، أو التيسير عند الحاجة والضرورة.

الاعتقاد بأن الطواف دون طهارة يبطله مطلقًا غير دقيق، فالمسألة محل خلاف بين الفقهاء. الراجح عند جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة أن الطهارة شرط لصحة الطواف، قياسًا على الصلاة، واستدلالًا بحديث: «الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. لذا يجب على من أراد الطواف أن يكون على وضوء، ومن انتقض وضوءه أثناء الطواف فعليه أن يتوضأ ثم يُكمل من حيث توقف، بشرط ألا يطول الفصل، وهذا أحوط وأبرأ للذمة.

في المقابل، ذهب ابن تيمية إلى عدم اشتراط الطهارة، وقال: "الذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلاً، فإنه لم يُنقل عن النبي ﷺ أنه أمر بالوضوء للطواف... ولو كان فرضًا لبينه بيانًا عامًا". وعليه، فالأحوط العمل بقول الجمهور، لكن في حال المشقة الشديدة، كازدحام الحرم، أو المرض، أو بُعد أماكن الوضوء ومشقة الوصول إليها، خاصة لكبار السن، فيجوز الأخذ بقول ابن تيمية رفعًا للحرج، كما يجوز التيمم ، وهو داخل في قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: 43]، ويتحقق التعذر إما بانعدامه أو بالمشقة البالغة في الوصول إليه.

أما من به عذر دائم، كالسلس أو الاستحاضة، فيكفيه الوضوء أول الطواف ما لم يخرج منه حدث آخر غير العذر، ومن طاف بلا طهارة ، فعليه عند الجمهور إعادة الطواف ما دام في مكة، أو ذبح شاة في الحرم إن رجع إلى بلده، ويجوز التوكيل ، أما على قول ابن تيمية، فلا شيء عليه ، وكذلك المرأة الحائض إذا لم تطف طواف الإفاضة (وهو ركن لا يتم الحج إلا به)، وكانت مرتبطة برحلة أو حملة وموعد سفر لا يمكن تغييره، فقد أجاز لها ابن تيمية أن تشد على موضع الدم برباطٍ محكم وتطوف، دفعًا للحرج والمشقة، ولا شيء عليها في هذه الحال، وهو قول معتبر عند الحاجة الشديدة ، ولا حرج في تقليد أي القولين، لأن المسألة من موارد الاجتهاد، ولكل قول مستنده من الدليل. 

4- الخطأ : تحري المرأة المسلمة الطواف وسط الرجال .

الصواب : أن تتحرى الطواف مع النساء وفي أماكن وجودهن، صيانة لحشمتها وسترتها، وابتعادًا عن مزاحمة الرجال قدر الإمكان والطواف عبادة عظيمة لا يُشترط لها القرب من الكعبة لمن لا يُطيقه، فالأجر حاصل إن شاء الله ولو طافت من بعيد ما دامت صادقة النية، وعلى المرأة أن تراعي حالها، وتختار الأوقات والأماكن التي تقل فيها الزحمة، وأن تطوف في صفوف النساء كلما أمكن، فذلك أستر لها وأعظم أجرًا، فإن اضطرت للطواف في موضع فيه رجال، فلتلتزم بالضوابط الشرعية من غض البصر والسكينة، ولا إثم عليها إن شاء الله. 

5- الخطأ: أن يرمل الحاج أو المعتمر في جميع أشواط الطواف، سواء في طواف القدوم أو غيره، وسواء كان رجلًا أو امرأة.

الصواب: الرَّمَل سُنّة في الأشواط الثلاثة الأولى فقط من طواف القدوم، ويُسنّ للرجال دون النساء، أما في الأشواط الأربعة الأخيرة، فالمشي يكون عاديًّا بدون رمل.

كما أن النساء لا يُشرع لهن الرمل مطلقًا، لأن في ذلك مخالفة للحياء والستر، وقد قالت عائشة رضي الله عنها كما في رواية البيهقي: "يا معشر النساء، ليس عليكن رمل بالبيت، لكنَّ فينا أُسوة". وبذلك يتضح أن الرمل خاص بطواف القدوم، وبالرجال فقط، ولا يُفعل في طواف الإفاضة أو الوداع، ولا من النساء بحال.



6- الخطأ: اعتقاد بعض الحجاج أن كل طواف يعقبه سعي، فيسعون بعد كل طواف، سواء كان واجبًا أو نافلة.

الصواب: السعي لا يكون إلا بعد طوافٍ يُشرع بعده السعي، وهو طواف القدوم للمتمتع إذا سعى بعده، أو طواف العمرة، أو طواف الإفاضة ، أما الطواف النافلة، أو طواف الوداع، فلا يُشرع بعده سعي، ومن سعى بعده فقد خالف السنة.

7- الخطأ: اعتقاد بعض الحجاج أن التلفظ بالنية في الطواف واجب ، كأن يقول نويت أطوف سبعة اشواط . 

الصواب: النية محلها القلب، ولا يُشرع التلفظ بها في الطواف ولا في غيره من العبادات، إلا ما ورد فيه نص خاص، كالتلبية في الإحرام ، وقد استحب الشافعية التلفظ بالنية في سائر العبادات، إعانة على استحضارها، لا على سبيل الوجوب وجمعا بين القصد واللفظ .

8- الخطأ: أن يُزاحم بعض الطائفين مزاحمة شديدة عند استلام الحجر الأسود أو الركن اليماني، فيؤذي نفسه ويؤذي غيره، وقد يُزاحم النساء ، فيقع في الحرج الشرعي.

الصواب: المشروع استلام الحجر أو الإشارة إليه بغير إيذاء، فإن أدى ذلك إلى مزاحمة شديدة أو مس النساء، وجب تركه، ولا إثم في ترك الاستلام عند الزحام، بل الأجر حاصل بالنية ؛ لأن المقصود تعظيم الشعيرة، لا المزاحمة والمشقة، وقد قال النبي ﷺ لعمر رضي الله عنه: "إنك رجل قوي، فلا تزاحم على الحجر، فإنك تؤذي الضعيف" [رواه أحمد بسند حسن].

9- الخطأ:اعتقاد بعض الناس أنه لا يجوز قطع الطواف أو السعي إذا أُقيمت الصلاة، وأن من بدأ بهما يجب أن يُتمهما دون توقف.

الصواب : الأصل أن قطع الطواف أو السعي لأداء الصلاة المكتوبة في جماعة واجب، كما ذهب إليه الشافعية، ولتجنّب المرور أمام المصلين ومزاحمتهم، فلا حرج على من أقيمت الصلاة وهو يطوف أو يسعى أن يشارك الجماعة في الصلاة، ثم يُكمل ما بقي من طوافه أو سعيه من حيث توقف، لأن الموالاة بين الأشواط ليست واجبة ، وإذا قطع الطواف أثناء أحد الأشواط، فيُستحب أن يُعيد ذلك الشوط من أوله، ثم يُبني على ما سبق من أشواط، ويُتم طوافه.

10- الخطأ: ظن بعض الناس أن تقبيل الحجر الأسود شرط لصحة الطواف .

الصواب: هذا الظن غير صحيح، فتقبيل الحجر سنةٌ للطائف، وليست شرطًا ولا ركنًا من أركان الطواف، ولا من شروط الحج أو العمرة، ويُشرع استلامه أو الإشارة إليه إن أمكن، دون مزاحمة أو إيذاء، فإن لم يتيسر، فلا حرج في تركه.

11- الخطأ: المشي داخل الحِجر (حِجر إسماعيل) أثناء الطواف.

الصواب: لا يصح الطواف إذا دخل الطائف في الحِجر، لأن الحِجر من الكعبة، كما قال النبي ﷺ: «الحِجر من البيت» [متفق عليه] ، ولابد أن يكون الطواف خارج جميع أجزاء الكعبة، بما في ذلك الحِجر، وإلا لم يُحتسب الشوط الذي دخله فيه.

12- الخطأ: التمسح بأركان الكعبة، أو كسوتها، أو جدرانها، أو مقام إبراهيم، أو حجر إسماعيل، أو أعمدة المسجد الحرام، اعتقادًا في البركة.

الصواب: هذا الفعل لا أصل له في السنة، ولم يفعله النبي ﷺ ولا أصحابه، بل خصّ النبي ﷺ الاستلام والتقبيل بالحجر الأسود والركن اليماني فقط. وما سوى ذلك فالتبرك به بدعة، لقوله ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [متفق عليه]. فالعبادة توقيفية، والتبرك يكون بما ورد به الشرع.

13- الخطأ: اعتقاد أن ركعتي الطواف لا تصحان إلا خلف مقام إبراهيم، أو المزاحمة الشديدة لأدائهما عنده .

الصواب: صلاة ركعتَي الطواف سنة مؤكدة، ويُستحب صلاتهما خلف المقام إن تيسر ذلك دون مزاحمة أو أذى، وإن لم يتيسر، جاز صلاتهما في أي موضع داخل المسجد الحرام، ولا يشترط أداؤهما خلف المقام مباشرة.

14- الخطأ: إطالة ركعتي الطواف بقراءة سور طويلة أو كثرة الدعاء فيهما، ظنًّا أن ذلك أفضل.

الصواب: السنة تخفيف الركعتين، فقد صلاهما النبي ﷺ خفيفتين، وقرأ في الأولى {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثانية {قل هو الله أحد} بعد الفاتحة [رواه مسلم]. والاقتداء بهديه ﷺ أولى، دون تكلف أو تطويل.

15- الخطأ:قيام بعض الطائفين بصلاة أكثر من ركعتين بعد الطواف، ظنًّا أن ذلك زيادة في الأجر.

الصواب: السنة أن يُصلَّى ركعتان فقط بعد كل طواف، وهذا ما ثبت عن النبي ﷺ، ولم يُنقل عنه أنه زاد عليهما، فمن زاد فقد خالف السنة، والأجر في الاتباع لا في الابتداع.

16- الخطأ: ظن بعض الناس أن شرب ماء زمزم بعد الطواف واجب أو شرطٌ لصحة الطواف.

الصواب: شرب ماء زمزم سنةٌ مستحبة، وليس شرطًا من شروط صحة الطواف، ولا من واجباته، ولم يرد عن النبي ﷺ أنه أوجبه، بل شربه بعد الطواف لما فيه من البركة، لحديث: «ماء زمزم لما شُرب له» [رواه ابن ماجه وحسنه بعض العلماء]. 

أخطاء الحجاج في طواف الوداع وتصحيحها

17- الخطأ: الطواف للوداع قبل رمي الجمرات يوم النفر الأول.

الصواب: يجب أن يكون طواف الوداع آخر أعمال الحج، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت...» [البخاري ومسلم]. فمن طاف ثم عاد لرمي الجمرات، وجب عليه إعادة الطواف.

18- الخطأ: الطواف للوداع ثم البقاء في مكة وقتًا طويلاً بعدها.

الصواب: لا يُجزئ طواف الوداع إن أقام الحاج بعده إقامة طويلة، بل يُعيده عند مغادرته. أما البقاء القصير للتحميل أو قضاء حاجة يسيرة فلا يضر.

19- الخطأ: التهاون في أداء طواف الوداع أو تركه دون عذر.

الصواب: طواف الوداع واجب على كل حاج يغادر مكة، إلا الحائض والنفساء، فلا يلزمهما، كما دلّت السنة. ومن تركه بلا عذر، لزمه دم.

20- الخطأ: الاعتقاد بوجوب السعي بعد طواف الوداع.

الصواب: لا سعي بعد طواف الوداع، بل السعي إنما يكون بعد طواف العمرة أو طواف الإفاضة فقط. طواف الوداع عبادة مستقلة لا يتبعها سعي.

والله تعالى أعلى وأعلم

Share To: