Articles by "قصص"
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصص. إظهار كافة الرسائل

 

مهارة التسويق | بقلم الأديبة المصرية خلود أيمن 


مهارة التسويق | بقلم الأديبة المصرية خلود أيمن
مهارة التسويق | بقلم الأديبة المصرية خلود أيمن 


السلام عليكم ، 

مهارة التسويق : 

كنت أعمل كمندوبة مبيعات رغم أنها مهنةٌ شاقة ومُجهِدة إلا أنني أعشقها وأمارسها بكل حب وشغف ما بين انتقال بين طبيب وآخر حتى أتمكن من التسويق لتلك العقاقير التي أحاول عمل الدعاية اللازمة لها وبين اكتساب المزيد من الخبرة بالتعامل المباشر مع بني البشر ، فقد زاد حبي لها بممارستي لها على مدار خمس سنوات وما زلت بحاجة لخوض المزيد من التجارب من خلالها حتى أتمكن من الوصول لمكانة مرموقة والارتقاء شيئاً فشيئاً في ذلك المجال حتى أصبح رائدةً فيه ، أُقدِّم المزيد من المشاريع والمخاطبات للبعض لمساعدتهم على مزاولة تلك المهنة بمزيد من التَمرُّس والمهارة والبراعة من خلال اتباع بعض الخُطى البسيطة ، فدوماً ما تزداد تطلعاتي وطموحاتي بها وسأظل أعمل بكدٍ وجدٍ حتى أصبح قادرة على تدريس تلك المهنة من خلال محاضرات ومناوشات مع بعض الشباب تُمكِّنهم من طرح مقترحاتهم للبحث عن طرق أكثر فاعليةً تساهم في إتمام عملية البيع بشكل أسرع دون أي رياء أو غش أو تدليس مع إظهار كل المميزات التي تتسم بها تلك المعروضات أياً كان نوعها فهي غير مُقتَصرة على مجال الطب والعقاقير فحَسب ولكنها تشمل جميع السلع التي نرغب في بيعها وعرضها بشكل لائق حتى نجذب أكبر عدد من العملاء الذين يُقبِلون عليها بشراهة وقتما يجدون مميزات عديدة بها وكذلك لانخفاض أسعارها وكونها مناسبةً لدخولهم ، معقولةً في حد التداول ، بحيث نُحقِّق المكسب المطلوب دون خسارة أو إتيان على العملاء أيضاً بفرض مبالغ باهظة على تلك السلع الاستهلاكية التي يرغب الجميع في اقتنائها ، فمِن حق كل الطبقات أنْ تحظى بأي من تلك السلع التي يرغبون في الحصول عليها دون حَجْبِها عنهم بسبب الارتفاع المبالغ في أسعارها في بعض الأوقات ، فعلينا أنْ نلاحظ تلك النقطة ونضعها بعين الاعتبار وقت القيام بعملية التسويق والترويج للمعروضات وإلا فلن يكون الإقبال مُرضيَّاً كما توقعنا بل أنه سوف يخسف بمجهودنا الأرض وسيضيع هباءً بلا جدوى تعود علينا ، فلنكن على قدر عالٍ من الذكاء والفطنة حتى لا تتبدد طاقتنا سدى دون تحقيق العائد المنشود ...


 










خطأ النادل | قصة قصيرة بقلم الأديبة المصرية/ خلود أيمن


خطأ النادل | قصة قصيرة بقلم الأديبة المصرية/ خلود أيمن
خطأ النادل | قصة قصيرة بقلم الأديبة المصرية/ خلود أيمن

 


 السلام عليكم ، خطأ النادل : 

كنت جالساً في ذاك المطعم الذي اعتدت الذهاب إليه ولكن تلك المرة كان مذاق الطعام مُغايراً وكأنه غير مطهوٍ جيداً ، ناديت النادل وعاتبته فكيف يمكن تقديم الطعام بتلك الطريقة التي تسئ لسمعة المكان وتخسف به الأرض وكأنها تَضَعه في الحضيض بعد مجهود تلك السنوات السالفة ؟ ، اعتذر في خجل وانصرف ، جاء ومعه المدير وطلبا مني الغفران والسماح على أنْ يتم إعداد وجبة جديدة شهية بغير التي أرسلاها لي منذ قليل ، لم أُرِد أنْ أنشئ أية مشكلات رغم ضيقي وضجري بالمكان فلقد كان يوماً غابراً منذ أنْ كنت في العمل صباحاً فقررت الذهاب لمطعمي المُفضَّل لتناول ما لذَّ وطاب من المأكولات كي أُحسِّن من حالتي النفسية وما كان منهم إلا أنْ عكَّروها أكثر مما كانت ، وددت الصراخ والشجار والعِراك ولكن رد فعلي كان مخالفاً تماماً لما توقعت وتمنيت ، كان هادئاً جداً لدرجة مُخيفة ، فلقد وافقت على الفور على عرضهم هذا وارتضيت به ، انتظرت الطعام بفارغ الصبر ولكني تَوعَّدتُ لهم في قرارة نفسي أنْ أسيء إليهم إنْ تكرر هذا الخطأ وسأعتبر أنه عن عمد تلك المرة ، ذهبا وأحضرا لي الطعام بعد قليل ، هدأت نفسي قليلاً حينما بدأت في التذوق لقد كان شهياً تلك المرة ومن الواضح أن الطباخ لم يكن ذاته الذي قدَّم لي الوجبة السابقة ، انتهيت من الطعام وطلبت مشروباً احتسيته بأكمله ثم انصرفت ، الآن قد تغيرت مِزاجيتي تماماً وصرت أفضل من حالي في بادئ اليوم الذي لم يكن يُبشِّر بأي أمر مفرح ولكن نحمد الله لقد انتهى بما يُسر ويُرضِي ، عدت للمنزل وقررت الاسترخاء بعد كل هذا العناء الذي مررت به طيلة اليوم فلقد تعلَّمتُ درساً مهماً وهو ألا أحكم على الأمور من الوهلة الأولى وأنْ أتريث وأتحلى بالصبر وألا أفقد أعصابي أو أنفعل مهما حدث ...





جريمة مُسبَقة | قصة بقلم الأديب المصري محمد عبدالرحمن شحاتة 


جريمة مُسبَقة | قصة بقلم الأديب المصري محمد عبدالرحمن شحاتة



مُمتَنٌّ جدًا لرنينِ جرسِ البابِ، لقد أيقظني في الصباحِ الباكرِ؛ فتفاجأتُ بمنبّه هاتفي؛ وقد تجاوزَ وقتَ التنبيهِ، دون أن يمارسَ حقّه في إيقاظي كعادته. 

جررتُ أقدامي نحوَ البابِ، بجسدٍ يُثقلهُ النُّعاس، وبعينينِ تبصرانِ بمشقّةٍ، أمسكتُ بأوكرَةِ البابِ، ثمَّ جذبتُها لأسفل؛ فانفتحَ البابُ؛ ليفصحَ عن شخصٍ يضعُ جريدةً في الصندوقِ الأحمرِ المخصَّص للجرائد، والمثبَّتِ في الحائط بجوارِ الباب. 

ثمَّ ابتسمَ لي، وهو يومِئُ برأسِه قبل أن يغادر. 

تحرَّكتُ خطوتينِ للأمام، ثمَّ مددتُ يدي؛ لأُمسكَ بنسخةِ الجريدة، وما إن بدأتُ في قراءةِ عنوانها الرئيسي؛ حتّى تذكّرتُ استيقاظي المتأخر؛ فأسرعتُ إلى داخلِ الشقّة، تاركًا الجريدةَ فوقَ طاولةِ الصالة؛ لأتصفّحها بعد عودتي من عملي، وذهبتُ لتبديلِ ملابسي. 

انتهيتُ سريعًا، ثمَّ أخذتُ مفتاحَ سيارتي وهاتفي، واتجهتُ إلى بابِ الشقّة، خرجتُ: ثمَّ وقفتُ أرتدي حذائي؛ فسمعتُ صريرَ بابِ الشقةِ المجاورةِ لي، ثمَّ تبعه صوتٌ يقول:

_صباح الخير، أنت الساكنُ الجديد؟ 

نظرتُ لذلكَ الرجلِ الذي يتحدَّثُ إليَّ؛ فإذا بهِ رجلٌ عجوز، مبتسمُ الوجهِ، هادئ النبرة؛ فقلتُ مُبتسمًا:

_صباح النور، نعم أنا أسكنُ هنا منذُ أمسٍ فقط. 

أومأ برأسهِ مبتسمًا؛ ثمَّ تابعَ خطواتهِ البطيئةَ نحوَ المِصعد. 

انتهيتُ من ارتداءِ حذائي، ثمَّ اتجهتُ إلى المصعدِ؛ كي ألحقَ بذلكَ العجوزِ المُبتسم، لكنّي لم أجد له أثرًا. 

إنها مجردُ لحظاتٍ، بينَ إيماءَةِ رأسِه لي وانتهائي من ارتداءِ حذائي، ثمَّ إني لم أسمع صوتَ بابِ المِصعد؛ فأينَ ذهبَ ذلكَ الرجل؟ 

ربما أسعفتهُ الصدفةُ؛ وكانَ المصعدُ في طابقنا ولم أنتبه لصوتِ الباب، كل شيء جائز. 

أنهيتُ يوميَ المُمِلَ، ثمُّ عدتُ إلى الشقةِ، ومعي وجبةٌ قمتُ بشرائها من مطعمٍ قريب، وكانَ الليلُ قد أسدلَ ستائرَه، جلستُ على كرسيِّ الطاولةِ؛ لأتناولَ الوجبةَ التي أأملُ أن تنجحَ في إخمادِ جوعي، تذكّرتُ الجريدةَ التي تركتها في الصباح، لقد كانت قريبةً منّي، مددتُ يدي نحوها، لكنّي سرعانَ ما سحبتُ يدي! 

لقد تركتُ الجريدةَ كما تناولتها من صندوقِ الجرائد، لكنّها الآنَ مفتوحةٌ على صفحة ما، لمّا أمعنتُ النظرَ إلى عنوانها، وجدتُها صفحةَ الحوادث! 

كيفَ فُتِحَت الجريدةُ على هذه الصفحةِ؟ لا أعلم! 

بيدٍ مرتعشةٍ أمسكتُ بالجريدةِ، كان يتصدَّرُ الصفحةَ عنوانٌ عريض "مقتلُ عجوزٍ في السبعينَ من عمرهِ طعنًا على يدِ شابٍ في الثانيةِ والثلاثين". 

كانت تفاصيلُ الخبرِ صادمةً؛ فالعنوانُ الذي حدثت فيه الجريمةُ أمام شقّتي، صورةُ المجني عليه كانت صورةَ جاري العجوز، وكانت صورتي مطبوعةً في مساحةٍ لا بأسَ بها، ومذيَّلةً بكلمةِ الجاني. 

لقد عَلِقَ الطعامُ في حلقي، فقدتُ شهيَّتي على الفورِ، ثمَّ أمسكتُ بالجريدةِ؛ لأتفاجأ بأنَّ تاريخَ هذا العددِ لم يحِن بعد! 

كانَ التاريخُ يشيرُ إلى الخميسِ القادم، دارت رحى عقلي؛ ولم أستطع استيعابَ ما يحدثُ، تساؤلاتٌ كثيرةٌ، ما الذي بيني وبينَ العجوزِ كي يُقتَلَ على يدي؟ ولماذا أرتكبُ جريمةً نكراءَ كهذه؟ 

أغلقتُ الجريدةَ، ثم أمسكتُ بها واتجهتُ نحوَ البابِ؛ كي أعيدَها إلى الصندوق، ولمّا خرجتُ من الشقّةِ؛ تفاجأتُ أنَّ الصندوقَ ليسَ في مكانه! 

وقفتُ مبتلًّا بماءِ عَرَقي، يبتلعني الذهول، بينما تسكنُ الجريدةُ بينَ أناملي، ثمَّ سمعتُ صريرَ بابِ الشقةِ المجاورةِ، نظرتُ في حذرٍ؛ فإذا بالعجوزِ يبتسمُ لي قائلًا بنبرتهِ الهادئة:

_لماذا تقفُ تائهًا هكذا؟ 

تلعثمَ لساني، وجاهدتُ في ابتلاعِ ريقي، وقلتُ:

_لقد كان الصندوقُ هنا.

_عن أي صندوقٍ تتحدث؟

_صندوق الجرائد.

_أنت جديدٌ هنا، لقد تمّت إزالةُ صناديقِ الجرائدِ منذ شهورٍ.

_مستحيلٌ؛ لقد تناولتُ هذهِ الجريدةَ منه في الصباح؛ وكنتُ أقرأ في صفحةِ الحوادثِ منذ قليلٍ؛ لقد وجدتُ تاريخَ النسخةِ مختلفًا عن تاريخِ اليوم، كما أني وجدتُ خبرًا عن... 

حتى هنا؛ انقطعَ صوتي من تلقاءِ نفسه، حينما عاودتُ النظرَ إلى الجريدةِ؛ لقد كانَ اسمها مختلفًا، هنا سخرَ منّي العجوزُ قائلًا:

_أنت شابٌ صغير، لا خبرةَ لكَ في الجرائد، هذهِ الجريدةُ يا بنيَّ ليست بها صفحةُ حوادث، كما أنكَ تسلَّمتها من يدِ بائعِ الجرائدِ في الصباحِ، وليس من الصندوقِ الذي في خيالك، لقد رأيتُ ذلك. 

لقد كانَ مُحقًّا؛ فالجريدةُ في تاريخِ اليوم، كما أنها ليسَت بها صفحةٌ للحوادث، شعرتُ أنَّ جسدي هزيلٌ من الخجلِ؛ فتركتُ العجوزَ ودخلتُ شقّتي، ثمَّ أغلقتُ البابَ خلفي. 

لا أعرفُ كيفَ رأيتُ كلَّ ذلك، ولكنّي آثرتُ أن أنسى، ربما تغيُّر المكان قد تسبَّب لي ببعضِ الهذيان! 

قضيتُ أيامي في حذرٍ، أخشى ذلكَ العجوز، أتجنَّبُ النظرَ إليه، حتى مساءِ ذلكَ اليوم، كانَ يومَ أربعاء، ارتميتُ فوقَ سريري بعد يومٍ شاق، كنتُ مُصابًا بإعياءٍ شديد، لكنها المرةُ الأولى التي أشعرُ فيها بأقدامٍ تسيرُ بالقربِ منّي، هناكَ شخصٌ آخرُ معي، نظرتُ حولي بينما يقتلني الأرقُ، لكنّي لم أعثر على شيء. 

استسلمتُ ليدِ النومِ التي تجذبني، نمتُ كما لم أنم من قبل، ولكن هاهي يدٌ تحيطُ بعنُقي، تعتصرهُ بكل ما أوتِيَت من قوةٍ؛ لتخنِقَني، جاهدتُ كي أفتحَ عيني؛ فإذا بالعجوزِ يحاولُ قتلي، يطبقُ على عنقي بيدٍ؛ بينما يُمسكُ سكّينًا في يدهِ الأخرى، رافعًا إياها لأعلى؛ كي يهوى بها على صدري!

في محاولةِ للهروبِ من الموتِ؛ صفعتهُ بيدي في وجههِ، فإذا بهِ يبتعدُ؛ لتسقطَ السكينُ من يده؛ فأمسكتُ بها على الفورِ بينما لاذَ بالفرارِ، خرجتُ وراءَه حاملًا السكينَ في يدي، انتبهتُ إلى صوتِ بابِ الشقةِ؛ ولمّا اتَّجهتُ صوبَه وجدته يهربُ للخارج؛ تابعتُ خطواتي وراءَه؛ فخرجتُ متجهًا نحوَ شقتهِ؛ فإذا بهِ قادمٌ نحوي، ولم أشعر بنفسي؛ إلا والسكينُ تخترقُ بطنَه؛ ليخرجَ طرفُها المدبَّبُ من ظهره. 

لم يكن ذلكَ ما صدمني، لقد قالَ العجوزُ بصوتٍ مُتهتِّك، وهو يلفظُ أنفاسَه الأخيرة:

_جئتُ كي أسألكَ عن شيءٍ للصداع، إن كان لديكَ شيئًا. 

ثمَّ سقطَ جثةً هامدةً. 

وقفتُ ويدٌ من الذهولِ تطبقُ على قلبي، لقد كان العجوزُ يرتدي ملابسَ غير تلكَ التي حاولَ فيها قتلي، فكيفَ في لحظاتٍ استطاعَ استبدالها والعودة مرةً أخرى؟! 

إذًا من كان معي؟ من كان يحاولُ قتلي؟ من تركَ لي السكينَ ولاذَ بالفرار؟ لا أدري، كل ما أعرفهُ هو أنَّني قتلتُ! 

فكَّرتُ في أشياءَ كثيرةٍ؛ ولم يكن من بينها الهربُ، أحسستُ كأنَّ للجرائمِ رائحةً، تفوحُ فتخبرُ الناسَ عن وقوعِها، لقد تجمهرَ عددٌ من الجيرانِ، لا أعرفُ كيفَ علموا بالأمر بهذه السرعةِ، لكنّي كنتُ أتخذُ ركنًا بعيدًا، أجلسُ القرفصاءَ لا أصدقُ ما حدث. 

ثمَّ انتبهتُ على صوتِ شخصٍ يتحدثُ في هاتفهِ، إنني أعرفُ ذلكَ الصوت، هو صوتُ حارسِ العقار، ثمَّ لفتَ انتباهي حديثهُ الغريب:

_لم أكن أعرفُ أن الشقةَ لازالت ملعونة منذُ الحادثةِ التي وقعت بها، لقد أحضرتُ شيخًا لتطهيرها، لكن يبدو أن الروحَ التي بها لازالت حاضرة، تحاولُ الانتقامَ من كل شخصٍ يسكنها. 

كنتُ أستمعُ في ذهولٍ وهو يتابعُ حديثه، ويقول:

_هو لم يحاول الانتحارَ كمن سبقوه، لقد قام بارتكابِ جريمةِ قتل، لقد قتلَ جاره العجوز. 

لم أكد أقفُ من مكاني، كي أبرحه ضربًا، حتى وجدتُ شرطيًّا يقبضُ على يدي، ويصطحبني إلى رحلةٍ أعرفُ نهايتها جيدًا. 

في صباحِ اليومِ التالي، امتثلتُ أمامَ النيابةِ؛ متهمًا بجريمةِ القتلِ العَمد، بينما كانت تقبعُ فوقَ مكتبِ وكيلِ النيابةِ تلكَ الجريدةُ، بنفسِ التاريخ، مفتوحةً على صفحةِ الحوادث، التي يتصدّرها نفسُ الخبر بتفاصيليهِ المحفورةِ في ذاكرتي"مقتلُ عجوزٍ في السبعينَ من عمرهِ طعنًا على يدِ شابٍ في الثانيةِ والثلاثين". وهاهي صورتي، وكنتُ أمتثلُ للتحقيقِ بنفسِ القميصِ الذي أرتديه في صورةِ الخبر، حيثُ قاموا بالتقاطِها لي؛ بمجرّد أن ألقوا القبضَ عليَّ! ولا أعرفُ هل أخبرهم في التحقيقِ أن روحًا تسكنُ شقَّتي، جرَّاءَ حادثةٍ لا أعرفُ شيئًا عنها، وأنَّها من دفعتني للقتلِ؛ فيتم إيداعي مصحةً نفسية، أم أعزفُ عن ذلكَ الأمرِ؛ فيتمُ إعدامي وإيداعُ جسدي في قبرٍ ما.


***


 

الكاهن | قصة قصيرة بقلم الكاتب المصري محمود بكر 


الكاهن | قصة قصيرة بقلم الكاتب المصري محمود بكر



"إن فضيلة الرجل هي أثره ولكن الرجل سيئ الذكر منسي"

من شاهد قبر مصري قديم

لن أنسى ذلك اليوم، الغيوم الرمادية تفرد أجنحتها في السماء كطائر أسطوري عملاق، الرعد يدوى كزئير ألف أسد جائع، العرق يغمر وجه أخي (بكاري) رغم برودة الطقس، جسده النحيل يرتجف، يهلوس بأشياء عن قدس الأقداس، عن الكاهن الأعظم.

يتمتم قائلا : احذره يا أخي أنه الشيطان نفسه، لابد من قتله قبل أن ينشر الظلم والرعب والجوع على أرضنا الطيبة.

أقول : أهدأ يا أخي أنت مريض، وتحتاج إلى الراحة

يقبض بشده على ذراعي: أنت لا تفهم إنه ليس بشريا ليس من هذا العالم

أنه الشر مجسدا إنك لم تر ما رأته عيناى وماذا يفعل فى ضحاياه أنه يسلخهم أحياء يتمتع بعذابهم وبصراخهم ضحاياه من الأسرى ومن العبيد والضعفاء

- ولماذا يفعل ما يفعل؟

- لأنه قاتل مجنون إنك لم تر عينيه المظلمتين كقاع بئر و....

يسعل أخي وينظر لي قائلا: لابد أن نوقفه بأي طريقة ممكنة

طرقات عنيفة على الباب، يتحطم الباب فجأة ويظهر جنود من حراس القصر، ينقضون على جسد أخي الهزيل، أحاول منعهم أتلقى ضربة من قائدهم تجعلني ارتطم بالحائط، وأسقط أرضا.

اصرخ قائلا: اتركوه إنه مريض

عيناه بلا بريق، يودعني بلا كلمة، حملوه كالذبيحة، ولم تمض أيام معدودات حتى نفذ فيه حكم بالإعدام بتهمة الخيانة والتآمر على قتل الملك.

مر عامان على موت أخي

اليوم سوف يتم تكريسي لأكون أحد الكهنة الأتقياء الذين يقومون بأعمال بسيطة مثل السقاية في المعبد والاهتمام بنظافته

بعد حلاقة شعر جسدي كله، وإزالة حواجبي، واقتلاع رموش عيني من منبتها، الأن أخلص من كل ما كان عالقا بي من مساوئ أخلع ملابسي، أتطهر بالماء البارد، يقول أحد الكهنة: لابد أن تكون طاهر الروح والجسد حتى يتسنى لك أن تكون في شرف المعبود في قدس الأقداس يريق الماء البارد بغزارة على جسدي ثم يعطيني قليلا من مذاب النطرون لأغسل به فمي، أرتدي ثيابا من الكتان فلا يجوز للكهنة أن يلبسوا ملابس مصنوعة من القطن لأنه نجس يقول الكاهن المسئول عن تعليمي: ليس لك أن تأكل الثوم او الكرات أو البصل لابد ان تكون رائحة فمك طيبة دائما، لا يخرج من فمك إلا الكلام الطيب الحسن

لم أر الكاهن الأعظم إلا مرة واحدة، لا يسمح لأحد بالاقتراب منه إلا إذا أمر. له رهبة شديدة في النفس، كم أبغضه ولكني سأنال منه يوما ما. أدعو الاله في صلواتي أن يأتي اليوم الذي أنتقم فيه لأخي...

"أنت أيها الينبوع العذب الذي يروي الظمأ في الصحراء.. ينبوع موصد لمن يتكلم .. مفتوح لمن يتزرع بالصمت

يا إلهي ساعدني لأقتل ذلك الشيطان القديم قدم الشر فأنا لم أغتصب طعاما ولم أنطق كذبا وقلبي لم يطمع فيما لا أملك

الكاهن الاعظم يطلب رؤيتك قالها أحد الكهان واختفى

انتفض أحاول ان أبدو متماسكا كل خطوة أخطوها ناحية غرفته تبدو دهرا أتذكر أخي بكاري وما فعله به أتحسس خنجري المعقوف بين طيات ملابسي أدخل غرفته أراه مهيبا طويلا كمسلة كان يعطيني ظهره بلا أي اهتمام هل أنقض عليه الأن أم أنتظر أخرجني من ترددي قائلا : ماذا تعرف عن الموت أيها الكاهن؟

أتلعثم قائلا: أنه انتقال إلى جانب الاله حياة أخرى

يقول بابتسامة شيطانية: استعد إذن للانتقال فقد حان وقتك عيناه تتحول لفجوتان للجحيم ملامح وجهه تتبدل لوجه شيطان مريد تبرز مخالبه أنه ليس بشريا كما قال أخي (بكاري) ينقض علي محاولا غرس أنيابه في عنقي أتفاداه لكنه يمزق صدري بمخالبه الحاده تندفع الدماء لتغرق صدري يبتسم ويتنسم الهواء قائلا ما أجمل رائحة الدماء! ابتلع ريقي بصعوبة يلطمني لطمة شديدة تدفعني لأرتطم بالباب وأسقط أرضا أمسك مقبض خنجري في قوة وفي تلك اللحظة الذي جثم فيها على صدري غرست الخنجر حتى مقبضه في صدره شهق شهقة طويلة وبدأ دخان أسود كثيف ذو رائحة خبيثة يخرج من فمه وعيناه ليسقط بعدها جسده ويتحلل فلا يبقى منه شيئا

وقفت على قدماى بصعوبة التقط انفاسي غير مصدق لما حدث

أعلنت في المعبد أن الكاهن الأعظم رفع إلى السماء بواسطة الإله وأنه أوصى لأكون له خليفة حتى يعود من رحلته وافق كل الكهنة على ذلك وأرسلوا للملك ليبدي موافقته فوافق وأصبحت أنا الكاهن الأعظم

الأمور كانت على ما يرام إلا أنني لم أعد أرى صورتي في المرآة.

***



 

فكشفنا عنك غطاءك | قصة قصيرة بقلم الكاتبة المصرية مروة أبو العلا 


فكشفنا عنك غطاءك | قصة قصيرة بقلم الكاتبة المصرية مروة أبو العلا



تململتُ في نومي كالعادة فقد اعتدتُ الأرق لعدة سنوات و بات لي صديقاً حميماً نلتقي دوماً عند مكاننا المفضل بالفراش . تدثرتُ بغطائي الثقيل جيداً كي أتحاشى البرودة القارصة التي قد تتسلل إلى مفاصلي الواهنة؛ فلا طاقة لي و لا تحمل للمزيد من الآلام. فلْتُقْبِلْ أيها الأرق اللعين؛ فلا ونيس لي سواك في أيام وحدتي الرتيبة. عجوز كئيب يقضي أيامه متشابهةً واحداً تلو الأخر بمنتهى الانضباط، و على نفس النهج و الروتين. انصرف عني الجميع حتى أبنائي، و اكتفى كل منهم بإرسال رسائل نصية باهتة الكلمات،  فقيرة المشاعر. أعترف أني كنتُ السبب الرئيسي  في قسوتهم تجاهي و نفورهم من صحبتي؛  فلم أكن يوماً أباً مثالياً و لم أقترب  حتى من ذلك اللقب قدر أنملة. لكن لماذا كان الجميع يلومني على ما أنا عليه،و أجمعوا كلهم أنني شخص أناني بل مفرط الأنانية؟ أكان عيباً أني كنتُ أحب نفسي و أدللها كثيراً، بل و أفضلها على أيٍ كان ؟ ليست جريمة نكراء بالدرجة. بالتأكيد جميعهم أغبياء فليس لي يد في ذلك ولا حيلة. و لكن هل كان الثمن أن أعيش وحيداً بلا رفيقة أو ابن أو ابنة حانية تهون عليَّ شيخوختي ؟ نعم، أعترف أنه ثمن فادح مقابل ما فرطتُ فيه  أيام شبابي و عنفواني و جبروتي. خدعتني نفسي الأمارة بالسوء وليس  لشيطاني القرين يدٌ ولا ذنب فيما فعلت بنفسي. عشتُ  دنيايَ طولاً و عرضاً غير آبهٍ لمن حولي و لمن هم دينٌ في رقبتي، و تقع مسؤوليتهم على كاهلي. ظلمتني أمي الحبيبة بزواجي؛  فأمثالي طيور جارحة لا عشٌ يكفيهم و لا جدرانٌ تؤويهم. خُلِقتُ للمرح و الانطلاق و الاستمتاع بحريتي بلا قيود، أو أسرة، أو أبناء و دنيا غريبة لم أرغب بها يوماً. لكن الثمن كان حقاً فادحاً ، فها أنا لا أجد من يحنو عليَّ سوى حارس العقار الذي أسكن فيه،  و بشروط بالطبع ، و ليس طوال الوقت. حسنٌ، لا يهم فلطالما اعتدتُ أن أكون مؤنساً لنفسي ولم أحتج يوماً لمخلوق يُشعرني بالاهتمام. مهلاً، كفاني كبراً و عناداً. سأعترف أنني نادم على كل لحظة ضيعتها على ملذاتي و شهواتي. أندم باحتراق على كل حضنٍ دافيء لم أحظَ به من أبنائي. أندم على ضياع زوجتي العزيزة التي تحملت كينونتي السخيفة الكريهة. نعم أنا نادم على الماضي و هل ينفعني الندم؟ هل أمسكُ هاتفي المحمول و أحادث أبنائي أعتذر منهم عما بدر منى قبل فوات الأوان ؟ لا، لا لن أفعلها فلن أتحمل منهم صداً أو بروداً أو تجاهلاً. لا لا، كرامتي فوق كل اعتبار. لا يهم، سأنهض من فراشي و أحاول إسعاد نفسي بنفسي كما اعتدتُ. نعم هذه هي الروح المطلوبة فليذهب الجميع للجحيم و لأنعم أنا بما تبقى لي من أيام في الدنيا. و لكن مهلاً، لم لا أشعر بقدمي ؟ بل لا أشعر برجليَّ، هل أُصِبتُ بالشلل؟ ما هذا ؟ لا أستطيع تحريك حتى وجهي ولا حتى عيني. ما الذي يحدث لي ؟ من أنتم و من أين دخلتم؟ من أنتم أيها الكائنات المرعبة و ماذا تريدون مني؟ لا لا تقتربوا أكثر ، ابتعدوا ابتعدوا !!!! لم لا يخرج صوتي من محجري؟ لا أستطيع الصراخ ولا التنفس ولا الحركة!! ياللمصيبة أيكون ذلك هو الموت ؟ هل تلك الوحوش هي ملائكة العذاب أتت لتقبض روحي العاصية  ؟ يبدو أنني أنا من سأذهب للجحيم. فلتمهلوني قليلاً أرجوكم فقط بضع دقائق أعلن توبتي عما اقترفت يداي على مدار  السنين. أتوسل إليكم ، أتوسل إليكَ يا إلهى أمهلني و لو ثوانٍ. لا أريد الموت الآن فلستُ مستعداً على الإطلاق للقائك يا ربي. أريد أن يسامحنى كل من ظلمته قبل أن ألقاك، أريد رؤية أبنائي و أحفادي للمرة الأخيرة قبل أن تتلقفني ملائكة عذابك. لاااااااا ما هذا الألم المبرح؟ لا أستطيع حتى الصراخ أو النطق بالشهادة.  ستصعد روحي السوداء إلى السماء فمهما دعوتُ و توسلتُ فلا مجيب. انغلقت أبواب الرحمة في وجهي بعد أن كانت متاحةً لي طوال عمري لكني و لكبريائي الخبيث لم أطأ أياً منها، و لم أحاول حتى الاقتراب. يا ويلي و يا عذابي ، لقد كنتُ في غفلة من هذا فانكشف عني غطائي فبصري اليوم حديد. عملي السيء هو لعنتي و قريني فلا خيار أمامي سوى الاستسلام. ها هي جثتي الباردة بدأت بالتعفن ،و لا أعتقد أن أحداً سيلاحظ غيابي كالمعتاد؛ فلطالما كان وجودي مثل عدمه.





المتحف | قصة بقلم الكاتب والباحث الجزائري: محمد بصري


المتحف | قصة بقلم الكاتب والباحث الجزائري: محمد بصري


 

وقف شاردًا أمام لوحةٍ قديمة جدًا. تشرح تفاصيل حصان آشوري بلمسة تكعيبية في متحف عتيق متهالك ورثه أصحابه عن عائلة مولعة باصطياد التحف والهدايا المُعَتّقة بالتاريخ الُمنهكة بفتور الصمت.فضاء المزار الفني كان مكانًا قاصيا بشرق بيروت.كل القطع كانت  تفوح منها روائح الماضي، تماثيل من شجر السنديان والأرز اللبناني، صور هنا وهناك تُؤرخ لزمن العربدة العربي بالأبيض والأسود فالحياة جميلة بلونين باهتة وساذجة وبريئة ... كل الزوار لم تُعِرهم اللوحة الموقوفة الصامتة والماكثة اهتماما في ركن كئيب من المتحف إلا هذا الشاب الكث اللحية وقد بدا عليه الإعياء و الوجع، ثلاثيني بلباس التمرُد في السبعينيات قبعة ثورية تتوسطها نجمة خماسية تشبه تلك التي كان يضعها تشي غيفارا وهو يُلهب الجماهير بخطابات نارية  صادمة للشعور الإمبريالي. بنطالون فتنامي  وقميص أحمر .الهيئة بالكاد إيديولوجية تُفصح عن الانتماء الطبقي والشيوعي للفتى  ...جلس مُترنِحا فوق كرسي خشبي يعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي  يُحملق في اللوحة ويتتبع كل مداخلها وأشكالها، أشعل سيجارة من تبغ أسود ركيك مرّ المذاق لا نكهة فيه  وتَـــــــنهّد ..عدَّل من عدسات نظاراته بيدين مرتعشتين وقفز إلى أرضية المتحف  في وضعية جلسة القرفصاء  .أمعن جيدا في اللوحة يبدو أن هذه التحفة المُهملة مارست عليه غواية مومس فاتنة .كانت بتوقيع غريب لرسام مجهول فهو يعرف تماما أصول التحف الفنية، خاصة الرسوم والمنحوتات نظرا  لطبيعة اختصاصه  وشهادة تخرجه من معهد بغدادي  عراقي للفنون . كان الجو باردًا في الخارج حبيبات من المطر تلتصق بزجاج نوافذ الصالة الكبيرة للمتحف. تنزلق بقوة  وهي تحت وقع سياط ريح خفيفة  تعبث بها .كانت هذه الأشكال  المبعثرة لصراع زخات المطر مع رياح  الشتاء تشكيلة فنية أضيفت إلى  القطع النادرة في المتحف ..

هناك سرٌ ما في اللوحة .غموضها اللامُبرر والمُتَعمد بتفاصيل تكعيبية وألوان آنارشية وأخرى عميقة وأساسية الصورة اليائسة لفارس غامض يقبع فوق صهوة الحصان البابلي وهو يحمل درعا دون خوذة فوق رأسه. الرأس الدقيق للجواد يجعله أصيلا متميزا من سلالات كنعانية ضاربة في القدم .كان الزائر الغريب الأطوار منسجما شاردًا ثابتا وكأنه يُسبِّح ويمارس صلاة وقداس و طقوس غريبة    في معبد بوذي .لا يمكنك أن تسمع إلا طقطقة كواعب الأحذية لنساء ورجال جمعهم الفضول ونشوة الكشف وأحيانا الرياء.بعض السيدات المنتشيات بقاماتهن العربية وسحرهن الشرقي. الجمال اللبناني وما أدراك ما لبنان  الأصول التَغْلِبية والغسانيات الفارهات الطول واللواتي بعيونهن حورٌ كن يفتشن عن رسومات للزينة تتبرج بها صالونات وغرف الضيوف وأخريات لا يجلبهن في زيارة أمكنة ثقافية غير التباهي والبريستيج الاجتماعي.قلة من يستهويهم روح المتحف فهو نافذة الروح على الماضي والفن.لا يفقه فلسفة المعارض الفنية و انزياحاتها إلا من امتزجت أرواحهم بفعل التثاقف والتماهي مع الطبيعة الانسانية.لن نكون إنسانويين إلا إذا اعتدنا على فهم طبيعة ذواتنا من خلال علاقاتها بالكون والوجود والفن. المتحف هو فضاء التجلي الإنساني فسحة للإطلالة على البعد الثالث في الكائن البشري الذي تلوث بالتقنية والنفط والفيول .قد تسمع همسا من هناك ووشوشات. هو ضد الصخب يافعات يتقاسمن ابتسامات أُرستقراطية مع مثيلاتهن في أروقة الدار وشباب يفتش عن اللحظة المثالية لإقناع الذات بتوفر إرادة المعرفة ولاقتناص هنيهات المتعة الفنية.وربما لبصبصة عابرة تنتشي بها الغرائز مؤقتا.

في عمق الصورة كانت هناك  رمزية مسكوت عنها مُــــــــبهمة ورمزية هي شبيهة بصوفانية غامضة.بدأت الحركة تتناقص والأصوات تخفت والزوار يتراجعون فمدة إقفال الأبواب اقتربت .الشمس تقف في كبدِ السماء إيذانا بظهيرة ملتهبة الساعة الثانية .صاحبة الدار تقف في وسط القاعة يعلو وجهها البيروقراطي إبتسامة ثلج باردة مُفتعلة تُعبِّر عن رغبة في أن يغادر ما بقي من الزوار . يوم حافل بالتعب والعدمية.تعقب الآثار والفنون لم يكن بذلك الصخب الذي كانت تتوق وتنشده العارضة.رغم  أصالة ونُدرة قطعها الفنية .

استأذن الشاب المرأة الستينية المشرفة وفاجأها بطلب مثير وغريب.

سيدتي : وضعية هذه اللوحة غير دقيقة ومعكوسة لقد عبث بها التقني الذي ثبتها في هذا الركن البائس.لم يُحسن قراءة دلالاتها .

حاولت السيدة أن تستوضح  هذا الجنون والتدخل المريب في أداء الموظفين والقائمين على تنظيم وترتيب وتصنيف المعروضات.

كيف ذلك أيها الشاب؟.

لم ينتظر كثيرا واستسمحها أن يعيد وضع اللوحة بشكل مغاير بحيث تستقر بشكل مقلوب عن الوضعية الأولى.

سيدتي : القماش الأصيل الذي رسمت فوقه الأشكال يجب عكسه بحيث تصبح خلفيته هي الواجهة وتعريضها للضوء ربما يفصح عن هويتها الحقيقية .

السيدة :ماذا تقول أتعتقد أن اللوحة مريبة تم العبث بشكلها؟؟.

الفتى : لا سيدتي لقد تم إلصاقها بعناية وترتيبها بهذا الشكل خوفا من الرقابة.

السيدة : ربما.... فقد أهداها لي شيخ سوري .فقد طُمرت في النسيان في مخزن له ببيته. هو شيخ يعاني الخرف ولا يكاد يتذكر شيئا.نصحني بعض المتخصصين بعرضها لأن لها قيمة تاريخية فقد رُسمت في بدايات القرن  العشرين.

لم تتلكأ المرأة وسمحت بذلك.عمد الشاب الفنان إلى قَلبِها لتكون المفاجأة. لقد كان شكل الفارس والحصان الآشوري خارطة للعالم العربي وهو يتآكل. رأس الفرس كان فلسطين .درع الفارس كان العراق. وهو يتحول إلى شعلة من الركام والانفجارات والثغرات والبؤر المشتعلة  .حطام درع.قلب الفرس كان أحمرا يختزل  صورة لبنان وتضاريسه .مياه وشكل مستطيل يغرق يوحي دلاليا ورمزيا على تضاريس وهيئة مصر وهي تغرق. ظهر الحصان في مؤخرته كان لسوريا بها تشققات رمادية مخلوطة بلون ناقع أسود ودموي .الكواعب الخلفية للحصان تجمُع دول المغرب العربي والنيران تمتد لها. 

وقفت السيدة مشدوهة أمام الصورة المزدوجة التي مارست تخفيا وتجليا.أدركت أنها اللوحة الوحيدة النادرة والمؤثرة في ثروتها الفنية.قالت بصوت خفي .يالله .يارب رسمها صاحبها في العشرينيات من القرن الماضي ولم ندرك الفاجعة إلا ونحن في الثلث الأول من العصر الجديد.

لن أبيعها....أبدا..... ضغط الفتى بحذائه السميك على ما تبقى من كعب سيجارته وغادر الدار وترك المرأة جاثمة مرتبكة أمام تآكل العالم العربي.



 

مركز العلاج النفسي | قصة قصيرة بقلم الأديبة المصرية خلود أيمن 


مركز العلاج النفسي | قصة قصيرة بقلم الأديبة المصرية خلود أيمن



السلام عليكم ،

مركز العلاج النفسي : 

ذهب للطبيب النفسي بعد أنْ تدهورت حالته النفسية للغاية ولم يَعُد الحديث يُجدي مع أي شخص مهما كان قريباً منه ، كان بحاجة للحديث مع شخص غريب لا يعلمه بحيث يسرد له كل التفاصيل التي تؤرق حياته ، تُصيبه بتلك الحالة المذرية التي لا يتمكن من الخلاص منها مهما قدَّم من محاولات ومهما تَقدَّم به العمر ، بدأ أول جلسة ، في البداية انتابه بعض الخوف فهو لم يَعْتَد التردد على مكان كهذا ولكنه قاوم تلك المخاوف وشرع في الكلام المُرسَل الذي لم يفكر فيه وكأنه يروي كل ما حدث بحياته منذ كان طفلاً صغيراً مروراً بالمراحل المختلفة التي عاشها إلى أنْ وصل لتلك المرحلة التي أفقدته ثقته بنفسه ودمرت حياته حينما تعرض لفشل تلو الآخر لم يتمكن من تجاوزه حتى وإنْ حاول تحقيق أي نجاح في أي أمر آخر ، فلقد ترك هذا الفشل أثراً جانبياً في نفسه لم يستطع التعامل معه ولم يعترف بأن الفشل هو بداية طريق النجاح في مجالات أخرى أو حتى علاقات أخرى ، لم يعلم أنه كان سوء اختيار في أي شأن من شئون حياته ، لم يرغب في تجريب شيء جديد ، ربما توقفت به عجلة الزمن عند تلك المرحلة من حياته وكأنه صار عاجزاً عن التقدم ، شرَح كل ما دار بخُلده للطبيب النفسي الذي رآه للوهلة الأولى مستشاراً لحل أزماته وفَكْ عقدته فقدَّم له بعض الإرشادات الواجب عليه اتباعها كي تتحسن حالته وأشار عليه ببعض الأدوية والعقاقير الطبية التي قد تُهدئ من روعه إنْ أصابه أي مكروه أو عصف به الاكتئاب ذات ليلة ، ونصحه ألا يترك ذاته لتلك الأفكار العنيفة كي لا تُحطِّم نفسيته ويعود لنقطة الصفر مرة أخرى بل أنه طلب منه إجراءً بسيطاً ككتابة ورقة بها بعض المهام التي من المفترض أنْ يُلزِم نفسه بالقيام بها حتى يستغل وقته في أمر مفيد بدلاً من ضياعه في التفكير والتحسر على الماضي دون تقديم شيء للمستقبل ، فما هذا إلا تبطر على النِعم التي تحيط به من كل صوب وحدب ، نصحه باتباع تلك الأوامر وتسجيل النتيجة في ورقة جانبية وعَرضِها عليه في الجلسة القادمة ليُتابعا التطور الذي طرأ عليه سوياً وفي حالة عدم تحققه عليهما البحث عن خطة أخرى كي يصير في حال أفضل ويتقدم خُطوات عديدة في حياته ، انصرف المريض وهو يحاول تَذكُّر تلك الكلمات التي تفوه بها الطبيب في محاولة للاقتناع بها ولكنه قرر الالتزام بها عساه يجد التَغيُّر الذي يصبو إليه منذ قديم الأزل ثم يعود إليه في المرات التالية إنْ وجد منه أي رجاء أو مساهمة في عودته لحياته المبهجة المليئة بالمَسرات والأمل ...