حكم البناء فوق المسجد | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
![]() |
حكم البناء فوق المسجد | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة |
السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تحية طيبة مباركة إلى أصحاب الفضيلة السادة العلماء ، جزاكم الله خير الجزاء وبارك في علمكم وعملكم. ورد إلينا سؤال من بعض أهل إحدى القرى، يُفيد بأنهم قد بنوا مسجدًا من قبل، وهو قائم يُؤدى فيه الصلوات والجُمع، والآن يرغبون في بناء مسكن فوق سقف المسجد لإمام المسجد، يسكن فيه مع أسرته، ويشتمل المسكن بطبيعة الحال على مرافق كالمطبخ ودورات المياه.
فهل يجوز شرعًا إقامة هذا البناء فوق المسجد بعد أن رُفع الأذان فيه واعتمد موضعه مسجدًا خالصًا لله؟
نرجو من فضيلتكم التكرم ببيان الحكم الشرعي في هذه النازلة مع التفصيل في حال وجود خلاف بين أهل العلم، حفظكم الله ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
الجواب :وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يجب التفريق بين حالتين:
الحالة الأولى:
الصلاة في مسجدٍ يقع تحته أو فوقه بيت، كما هو الحال في الأبنية المعاصرة ، عمارات)، فالصلاة فيه صحيحة بلا خلاف، لأن الأرض كلها مسجد وطهور، كما قال النبي ﷺ: «جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» "رواه البخاري ومسلم"، إلا ما ورد النهي عن الصلاة فيه، كالمقبرة والحمام ونحوهما.
الحالة الثانية:
البناء فوق المسجد أو تحته بعد اتخاذه مسجدًا في الأصل فهنا يُنظر أولًا في نية من أنشأ المسجد:
أولا : إن نوى المسجدية الخالصة عند بنائه: أي لم يشترط أو يقصد معه بناءً فوقه أو تحته لأي غرض، ثم أُقيم فيه الأذان وصارت تُؤدّى فيه الصلوات، فقد خرج عن ملكه وصار وقفًا لله تعالى، وبناءً على هذا: لا يجوز شرعًا البناء فوقه أو تحته بعد ذلك، حتى ولو كان لمصلحة المسجد "مثل غرفة الإمام"، لأن المسجد من الأرض إلى عنان السماء، كما نصّ على ذلك السادة الحنفية، وما فوق المسجد له حكمه، ولا يُستباح بالبناء، سدًا لذريعة تحويل المساجد إلى بنايات متعددة الاستعمالات، مما يخل بمقصد الوقف والعبادة.
* أما إذا خُصص أحد طوابق مبنى قائم ليكون مسجدًا:كأن يكون المسجد في الطابق الأرضي من بناية سكنية أو تجارية، فلا حرج في البناء فوقه، لأن المسجدية طرأت على جزء من البناء ولم تكن أصلًا فيه، والبناء فوقه أو تحته جائز، ما لم يُنافِ حرمة المسجد.
ثانيًا: إذا نوى منشئ المسجد البناء فوقه أو تحته ابتداءً: فهذه مسألة فيها خلاف بين الفقهاء:
- المالكية: يمنعون البناء فوق المسجد، ويجيزون البناء تحته.
- الحنابلة:فرّقوا بين من جعل المسجد فوق البيت ، فيجوز له الانتفاع بأسفله، ومن جعله تحت البيت فلا يجوز له الانتفاع بسطحه.
والذي يترائى لي أن الجمع بين أقوال أهل العلم أولى من الترجيح ، وأن المعتبر هو النية المصاحبة لإنشاء المسجد.
فإن: - كان هناك سعة في البناء بعيدة عن حرمة المسجد، فذلك أولى وأحوط.
- وإن دعت الحاجة المعتبرة إلى البناء، فليبنَ تحت المسجد إن أمكن، لا فوقه.
- وإن تعذر ذلك، فلا حرج في البناء فوقه، بشرط:
- أن تكون النية مصاحبة منذ البداية.
- وأن يكون البناء لخدمة المسجد أو المسلمين (كحضانة، أو دار تحفيظ، أو مكتبة) - وألا يترتب عليه امتهان لحرمة المسجد أو اختلاط في الوظائف.
خلاصة الحكم : يجوز البناء فوق المسجد إذا كان ذلك مقصودًا ومشروطًا منذ الإنشاء، ولم يترتب عليه مساس بحرمة المسجد، وكانت الغاية مصلحة راجحة للمسجد أو المسلمين.
أما البناء فوق المسجد الذي أُنشئ بنية المسجدية المطلقة، فغير جائز، لأن المسجد خرج عن ملك صاحبه وصار وقفًا لله تعالى.
والله تعالى أعلى وأعلم.