حكم مس الحائض للمصحف | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
حكم مس الحائض للمصحف | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أستاذتنا الكريمة، أدام الله عليكم الصحة والعافية وراحة البال. أعمل في مكتب لتحفيظ القرآن الكريم، وعندما يأتيني الحيض أرتدي القفازات (الجوانتي) حتى أتمكن من إمساك المصحف وتحفيظ الطلاب. لكن أحيانًا أجد حرجًا من ذلك، خصوصًا أن بعض العاملين في المكتب رجال، وأيضًا الطلاب أنفسهم كبار في السن، وأخشى أن يفهموا سبب ارتدائي للقفازات. فهل يجوز لي في أيام الحيض أن أمسك المصحف وأُحفِّظ من غير قفازات لتجنب هذا الحرج؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
نسأل الله تعالى أن يبارك في عملك ويرفع به درجاتك، فإن تعليم القرآن الكريم من أعظم القربات وأفضل الطاعات.
مسألة مس الحائض للمصحف من غير حائل محل خلاف بين العلماء، ولكل رأي مستنداته. ومن أبرز الأقوال في هذا الباب:
* قول الجمهور (الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنابلة):
جمهور الفقهاء يرى أنه لا يجوز للحائض مس المصحف بدون حائل، استنادًا إلى فهمهم لقول الله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (الواقعة: 79).حيث اعتبروا أن هذه الآية تشير إلى البشر المتطهرين من الحدث الأكبر.
* قول متأخري الحنابلة وبعض المعاصرين: يرون أن الآية تتحدث عن اللوح المحفوظ، وأن المقصود بـ"المطهرون" هم الملائكة، وليس البشر. وبالتالي، لا دليل صريح يمنع الحائض من مس المصحف. كما أنهم استدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها عندما حاضت في الحج: "افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي" (رواه البخاري).وهذا يشير إلى أن الحائض يجوز لها قراءة القرآن وذكر الله تعالى، باستثناء الصلاة والطواف.
كما بينوا أن قياس الحائض على الجنب غير دقيق، لأن الجنب يمكنه أن يزيل حدثه بالغسل أو التيمم فورًا، بينما الحائض لا تستطيع ذلك إلا بعد انتهاء حيضتها.
الرأي الراجح:إن الأرجح – كما يظهر من الأدلة – هو جواز مس الحائض للمصحف إذا دعت الحاجة لذلك، خاصة إذا كانت تعلم القرآن الكريم أو تحفظه للطلاب، ومع ذلك، ومن باب تعظيم كتاب الله تعالى، يُستحب للحائض استخدام حائل (مثل القفازات) أو قراءة القرآن من خلال الأجهزة الإلكترونية، كالهاتف أو الحاسوب.
وفي حالتكِ الخاصة: يمكنك متابعة تحفيظ الطلاب للمصحف بدون حائل إن شعرت بحرج من ارتداء القفازات، ولا إثم عليكِ في ذلك، لأن هذا أمر كتبه الله تعالى على بنات حواء. وما تشعرين به من الحرج تجاه زملائك أو طلابك لا مبرر له، فكل مسلم يعلم أن الحيض أمر طبيعي كتبه الله على النساء. ختامًا، نسأل الله تعالى أن يوفقكِ ويبارك في عملكِ ويجعل ذلك في ميزان حسناتكِ.